responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 22
الْمُؤْمِنُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ , فَلَا يُقْدِمُ عَلَى الطَّاعَةِ إلَّا بِعِلْمٍ وَنِيَّةٍ , وَإِذَا تَرَكَهَا كَانَ عَاصِيًا , فَتَرْكُ الْأَمْرِ الْوَاجِبِ مَعْصِيَةٌ , وَفِعْلُ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْأَمْرِ مَعْصِيَةٌ وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ [1].
حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْحِسْبَةِ ([2]):
8 - مَا بَرِحَ النَّاسُ - فِي مُخْتَلَفِ الْعُصُورِ - فِي حَاجَةٍ إلَى مَنْ يُعَلِّمُهُمْ إذَا جَهِلُوا , وَيُذَكِّرُهُمْ إذَا نَسُوا , وَيُجَادِلُهُمْ إذَا ضَلُّوا , وَيَكُفُّ بَأْسَهُمْ إذَا أَضَلُّوا , وَإِذَا سَهُلَ تَعْلِيمُ الْجَاهِلِ , وَتَذْكِيرُ النَّاسِي , فَإِنَّ جِدَالَ الضَّالِّ وَكَفَّ بَأْسِ الْمُضِلِّ لَا يَسْتَطِيعُهُمَا إلَّا ذُو بَصِيرَةٍ وَحِكْمَةٍ وَبَيَانٍ. وَلِمَنْعِ هَذَا شُرِعَتْ الدَّيَّانَاتُ , وَقَامَتْ النُّبُوَّاتُ وَظَهَرَتْ الرِّسَالَاتُ آمِرَةً بِالْمَعْرُوفِ , وَنَاهِيَةً عَنْ الْمُنْكَرِ , لِيَكُونَ الْأَمْنُ وَالسَّلَامُ , وَالِاسْتِقْرَارُ وَالنِّظَامُ , وَصَلَاحُ الْعِبَادِ وَالنَّجَاةِ مِنْ الْعَذَابِ. قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} (165) سورة الأعراف [3]. وَمِنْ هَذَا كَانَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ سَبِيلَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ , وَطَرِيقَ الْمُرْشِدِينَ. الصَّادِقِينَ , وَمِنْهَاجَ الْهَادِينَ الصَّالِحِينَ , وَكَانَ أَمْرًا مُتَّبَعًا وَشَرِيعَةً ضَرُورِيَّةً وَمَذْهَبًا وَاجِبًا , سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَسُمِّيَتْ بِاسْمِ " الْحِسْبَةِ " أَوْ بِاسْمٍ آخَرَ كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ , وَقَدْ صَارَتْ بِسَبَبِهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قَالَ تَعَالَى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (110) سورة آل عمران [4]. وَرُوِيَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ

[1] - مجموع الفتاوى - (ج 28 / ص 129) ومجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 6 / ص 337) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 3892) وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 3 / ص 144) والفقه الإسلامي وأدلته - (ج 8 / ص 382) والحوافز التجارية التسويقية وأحكامها في الفقه الإسلامي - (ج 1 / ص 152) ومسؤولية إمام المسجد - (ج 1 / ص 69)
[2] - الموسوعة الفقهية1 - 45 كاملة - (ج 2 / ص 6030)
[3] - لقد كان العذاب البئيس - أي الشديد - الذي حل بالعصاة المحتالين، جزاء إمعانهم في المعصية - التي يعتبرها النص هي الكفر، الذي يعبر عنه بالظلم مرة وبالفسق مرة كما هو الغالب في التعبير القرآني عن الكفر والشرك بالظلم والفسق؛ وكان ذلك العذاب البئيس هو المسخ عن الصورة الآدمية إلى الصورة القردية! لقد تنازلوا هم عن آدميتهم، حين تنازلوا عن أخص خصائصها - وهو الإرادة التي تسيطر على الرغبة - وانتكسوا إلى عالم «الحيوان» حين تخلوا عن خصائص «الإنسان». فقيل لهم أن يكونوا حيث أرادوا لأنفسهم من الانتكاس والهوان! -في ظلال القرآن - (ج 3 / ص 309)
[4] - إن التعبير بكلمة "أخرجت" المبني لغير الفاعل , تعبير يلفت النظر. وهو يكاد يشي باليد المدبرة اللطيفة , تخرج هذه الأمة إخراجا ; وتدفعها إلى الظهور دفعا من ظلمات الغيب , ومن وراء الستار السرمدي الذي لا يعلم ما وراءه إلا الله. . إنها كلمة تصور حركة خفية المسرى , لطيفة الدبيب. حركة تخرج على مسرح الوجود أمة. أمة ذات دور خاص. لها مقام خاص , ولها حساب خاص: (كنتم خير أمة أخرجت للناس). .
وهذا ما ينبغي أن تدركه الأمة المسلمة ; لتعرف حقيقتها وقيمتها , وتعرف أنها أخرجت لتكون طليعة , ولتكون لها القيادة , بما أنها هي خير أمة. والله يريد أن تكون القيادة للخير لا للشر في هذه الأرض. ومن ثم لا ينبغي لها أن تتلقى من غيرها من أمم الجاهلية. إنما ينبغي دائما أن تعطي هذه الأمم مما لديها. وأن يكون لديها دائما ما تعطيه. ما تعطيه من الاعتقاد الصحيح , والتصور الصحيح , والنظام الصحيح , والخلق الصحيح , والمعرفة الصحيحة , والعلم الصحيح. . هذا واجبها الذي يحتمه عليها مكانها , وتحتمه عليها غاية وجودها. واجبها أن تكون في الطليعة دائما , وفي مركز القيادة دائما. ولهذا المركز تبعاته , فهو لا يؤخذ ادعاء , ولا يسلم لها به إلا أن تكون هي أهلا له. . وهي بتصورها الاعتقادي , وبنظامها الاجتماعي أهل له. فيبقى عليها أن تكون بتقدمها العلمي , وبعمارتها للأرض - قياما بحق الخلافة - أهلا له كذلك. . ومن هذا يتبين أن المنهج الذي تقوم عليه هذه الأمة يطالبها بالشيء الكثير ; ويدفعها إلى السبق في كل مجال. . لو أنها تتبعه وتلتزم به , وتدرك مقتضياته وتكاليفه.
وفي أول مقتضيات هذا المكان , أن تقوم على صيانة الحياة من الشر والفساد. . وأن تكون لها القوة التي تمكنها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ; فهي خير أمة أخرجت للناس. لا عن مجاملة أو محاباة , ولا عن مصادفة أو جزاف - تعالى الله عن ذلك كله علوا كبيرا - وليس توزيع الاختصاصات والكرامات كما كان أهل الكتاب يقولون: (نحن أبناء الله وأحباؤه). . كلا! إنما هو العمل الإيجابي لحفظ الحياة البشرية من المنكر , وإقامتها على المعروف , مع الإيمان الذي يحدد المعروف والمنكر: (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). .
فهو النهوض بتكاليف الأمة الخيرة , بكل ما وراء هذه التكاليف من متاعب , وبكل ما في طريقها من أشواك. . إنه التعرض للشر والتحريض على الخير وصيانة المجتمع من عوامل الفساد. . وكل هذا متعب شاق , ولكنه كذلك ضروري لإقامة المجتمع الصالح وصيانته ; ولتحقيق الصورة التي يحب الله أن تكون عليها الحياة. .
ولا بد من الإيمان بالله ليوضع الميزان الصحيح للقيم , والتعريف الصحيح للمعروف والمنكر. فإن اصطلاح الجماعة وحده لا يكفي. فقد يعم الفساد حتى تضطرب الموازين وتختل. ولا بد من الرجوع إلى تصور ثابت للخير وللشر , وللفضيلة والرذيلة , وللمعروف والمنكر. يستند إلى قاعدة أخرى غير اصطلاح الناس في جيل من الأجيال.
وهذا ما يحققه الإيمان , بإقامة تصور صحيح للوجود وعلاقته بخالقه. وللإنسان وغاية وجوده ومركزه الحقيقي في هذا الكون. . ومن هذا التصور العام تنبثق القواعد الأخلاقية. ومن الباعث على إرضاء الله وتوقي غضبه يندفع الناس لتحقيق هذه القواعد. ومن سلطان الله في الضمائر , وسلطان شريعته في المجتمع تقوم الحراسة على هذه القواعد كذلك.
ثم لا بد من الإيمان أيضا ليملك الدعاة إلى الخير , الآمرون بالمعروف , الناهون عن المنكر , أن يمضوا في هذا الطريق الشاق , ويحتملوا تكاليفه. وهم يواجهون طاغوت الشر في عنفوانه وجبروته , ويواجهون طاغوت الشهوة في عرامتها وشدتها , ويواجهون هبوط الأرواح , وكلل العزائم , وثقلة المطامع. . وزادهم هو الإيمان , وعدتهم هي الإيمان. وسندهم هو الله. . وكل زاد سوى زاد الإيمان ينفد. وكل عدة سوى عدة الإيمان تفل , وكل سند غير سند الله ينهار!
وقد سبق في السياق الأمر التكليفي للجماعة المسلمة أن ينتدب من بينها من يقومون بالدعوة إلى الخير , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , أما هنا فقد وصفها الله سبحانه بأن هذه صفتها. ليدلها على أنها لا توجد وجودا حقيقيا إلا أن تتوافر فيها هذه السمة الأساسية , التي تعرف بها في المجتمع الإنساني. فإما أن تقوم بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - مع الإيمان بالله - فهي موجودة وهي مسلمة. وأما أن لا تقوم بشيء من هذا فهي غير موجودة , وغير متحققة فيها صفة الإسلام. في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 62)
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 22
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست