responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 196
فَيَقْدِرُ الْعِبَادُ أَنْ يَخْلُقُوا كَخَلْقِهِ بَلْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا حَكَى عَنْهُ رَسُولُهُ - صلى الله عليه وسلم -:وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِى، فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً، وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً» [1].
وَلِهَذَا كَانَتْ الْمَصْنُوعَاتُ مِثْلَ الأطبخة وَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ إلَّا بِتَوَسُّطِ النَّاسِ قَالَ تَعَالَى: {وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)} [يس/41، 42].وَقَالَ تَعَالَى: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) [الصافات/95، 96]}.
وَكَانَتْ الْمَخْلُوقَاتُ مِنْ الْمَعَادِنِ وَالنَّبَاتِ وَالدَّوَابِّ غَيْرَ مَقْدُورَةٍ لِبَنِي آدَمَ أَنْ يَصْنَعُوهَا؛ لَكِنَّهُمْ يُشْبِهُونَ عَلَى سَبِيلِ الْغِشِّ. وَهَذَا حَقِيقَةُ الْكِيمْيَاءِ؛ فَإِنَّهُ الْمُشَبَّهُ؛ وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ قَدْ صَنَّفَ فِيهِ أَهْلُ الْخِبْرَةِ مَا لَا يَحْتَمِلُ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ [2].
وَيَدْخُلُ فِي الْمُنْكَرَاتِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ ([3]):

[1] - صحيح البخارى برقم (5953)
وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 17 / ص 60)
قَالَ اِبْن بَطَّال: فَهِمَ أَبُو هُرَيْرَة أَنَّ التَّصْوِير يَتَنَاوَل مَا لَهُ ظِلّ وَمَا لَيْسَ لَهُ ظِلّ، فَلِهَذَا أَنْكَرَ مَا يُنْقَش فِي الْحِيطَان. قُلْت: هُوَ ظَاهِر مِنْ عُمُوم اللَّفْظ، وَيُحْتَمَل أَنْ يُقْصَر عَلَى مَا لَهُ ظِلّ مِنْ جِهَة قَوْله:" كَخَلْقِي " فَإِنَّ خَلْقه الَّذِي اِخْتَرَعَهُ لَيْسَ صُورَة فِي حَائِط بَلْ هُوَ خَلْق تَامّ، لَكِنْ بَقِيَّة الْحَدِيث تَقْتَضِي تَعْمِيم الزَّجْر عَنْ تَصْوِير كُلّ شَيْء وَهِيَ قَوْله:" فَلْيَخْلُقُوا حَبَّة وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّة " وَهِيَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة وَتَشْدِيد الرَّاء، وَيُجَاب عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَاد إِيجَاد حَبَّة عَلَى الْحَقِيقَة لَا تَصْوِيرهَا. وَوَقَعَ لِابْنِ فُضَيْلٍ مِنْ الزِّيَادَة " وَلْيَخْلُقُوا شَعْرَة " وَالْمُرَاد بِالْحَبَّةِ حَبَّة الْقَمْح بِقَرِينَةِ ذِكْر الشَّعِير، أَوْ الْحَبَّة أَعَمّ، وَالْمُرَاد بِالذَّرَّةِ النَّمْلَة، وَالْغَرَض تَعْجِيزهمْ تَارَة بِتَكْلِيفِهِمْ خَلْق حَيَوَان وَهُوَ أَشَدّ وَأُخْرَى بِتَكْلِيفِهِمْ خَلْق جَمَاد وَهُوَ أَهْوَن، وَمَعَ ذَلِكَ لَا قُدْرَة لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ.
[2] - قلت: في كلامه رحمه الله نظر، فليس في الكيمياء تغيير لخلق الله تعالى، بل استخدام قوانين الكون التي أمرنا الله تعالى أن نستفيد منها، ومنها تحسين النوع في النبات والحيوان، فليس فيه تغيير لخلق الله تعالى، ومنها الجراحة التجميلية لمن به تشوُّه فلا حرج فيها، إذ ليس فيها تغيير لخلق الله تعالى.
أما تحويل الذكر لأنثى عن طريق الهرمونات والأنثى لذكر مثلا فهذا قطعا حرام، وهو من تغيير خلق الله تعالى.
وانظر فتح الباري لابن حجر - (ج 17 / ص 41) وفتاوى يسألونك - (ج 6 / ص 224) حكم عمليات التجميل وأحكام الجراحة الطبية ص 185 - 187 وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 251) رقم الفتوى 1509 يجوز إجراء عمليات التجميل بشروط
[3] - وفي مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 7 / ص 19)
وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ كَلَامٍ سَبَقَ: وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فَسَادُهُ رَاجِحٌ عَلَى صَلَاحِهِ وَلَا يُشْرَعُ الْتِزَامُ الْفَسَادِ مِمَّنْ يُشْرَعُ [لَهُ] دَفْعُهُ. وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَحَرَّمَهُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَأَبَاحَهُ فِي حَالٍ أُخْرَى فَإِنَّ الْحَرَامَ لَا يَكُونُ صَحِيحًا نَافِذًا كَالْحَلَالِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ كَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَلَالِ وَيَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ كَمَا يَحْصُلُ بِهِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: النَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَهَذَا مَذْهَبُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَجُمْهُورِهِمْ. وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ؛ يُخَالِفُ فِي هَذَا لَمَّا ظَنَّ أَنَّ بَعْضَ مَا نَهَى عَنْهُ لَيْسَ بِفَاسِدِ كَالطَّلَاقِ الْمُحَرَّمِ وَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ: لَوْ كَانَ النَّهْيُ مُوجِبًا لِلْفَسَادِ لَزِمَ انْتِقَاضُ هَذِهِ الْعِلَّةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَسَادَ حَصَلَ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرَ مُطْلَقِ النَّهْيِ. وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ الْعَارِفِينَ بِتَفْصِيلِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ. فَقِيلَ لَهُمْ: بِأَيِّ شَيْءٍ يُعْرَفَ أَنَّ الْعِبَادَةَ فَاسِدَةٌ وَالْعَقْدَ فَاسِدٌ؟ قَالُوا: بِأَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ: هَذَا =
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 196
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست