responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 188
كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ يَفْرَحُونَ بِانْتِصَارِ الرُّومِ وَالنَّصَارَى عَلَى الْمَجُوسِ وَكِلَاهُمَا كَافِرٌ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ؛ وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ " سُورَةَ الرُّومِ " لَمَّا اقْتَتَلَتْ الرُّومُ وَفَارِسُ؛ وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ [1].
وَكَذَلِكَ يُوسُفُ عليهِ السَّلامُ كَانَ نَائِبًا لِفِرْعَوْنَ مِصْرَ وَهُوَ وَقَوْمُهُ مُشْرِكُونَ وَفَعَلَ مِنْ الْعَدْلِ وَالْخَيْرِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَدَعَاهُمْ إلَى الْإِيمَانِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ [2].

[1] - قال تعالى: {غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)} [الروم/2 - 5]
[2] - وفي الأحكام السلطانية - (ج 1 / ص 129)
(فَصْلٌ) فَأَمَّا طَلَبُ الْقَضَاءِ وَخُطْبَةُ الْوُلَاةِ عَلَيْهِ: فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ كَانَ تَعَرُّضُهُ لِطَلَبِهِ مَحْظُورًا وَصَارَ بِالطَّلَبِ مَجْرُوحًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يَجُوزُ مَعَهَا نَظَرُهُ فَلَهُ فِي طَلَبِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ فِي غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ، إمَّا لِنَقْصِ عِلْمِهِ، وَإِمَّا لِظُهُورِ جَوْرِهِ فَيَخْطُبُ الْقَضَاءَ دَفْعًا لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ لِيَكُونَ فِيمَنْ هُوَ بِالْقَضَاءِ أَحَقُّ فَهَذَا سَائِغٌ لِمَا تَضْمَنَّهُ مِنْ دَفْعِ مُنْكَرٍ، ثُمَّ يَنْظُرُ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ قَصْدِهِ إزَالَةَ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ كَانَ مَأْجُورًا، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ اخْتِصَاصَهُ بِالنَّظَرِ فِيهِ كَانَ مُبَاحًا.
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ فِي مُسْتَحِقِّهِ وَمَنْ هُوَ أَهْلُهُ وَيُرِيدُ أَنْ يَعْزِلَهُ عَنْهُ إمَّا لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا وَإِمَّا لِيَجُرَّ بِالْقَضَاءِ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا؛ فَهَذَا الطَّلَبُ مَحْظُورٌ وَهُوَ بِهَذَا الطَّلَبِ مَجْرُوحٌ.
وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْقَضَاءِ نَاظِرٌ وَهُوَ خَالٍ مِنْ وَالٍ عَلَيْهِ؛ فَيُرَاعِي فِي طَلَبِهِ؛ فَإِنْ كَانَ لِحَاجَتِهِ إلَى رِزْقِ الْقَضَاءِ الْمُسْتَحَقِّ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَانَ طَلَبُهُ مُبَاحًا، وَإِنْ كَانَ لِرَغْبَةٍ فِي إقَامَةِ الْحَقِّ وَخَوْفِهِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ كَانَ طَلَبُهُ مُسْتَحَبًّا، فَإِنْ قَصَدَ بِطَلَبِهِ الْمُبَاهَاةَ وَالْمَنْزِلَةَ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي كَرَاهِيَةِ ذَلِكَ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِهِ، فَكَرِهَتْهُ طَائِفَةٌ لِأَنَّ طَلَبَ الْمُبَاهَاةِ وَالْمَنْزِلَةِ فِي الدُّنْيَا مَكْرُوهٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى إلَى أَنَّ طَلَبَهُ لِذَلِكَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، لِأَنَّ طَلَبَ الْمَنْزِلَةِ مِمَّا أُبِيحَ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَقَدْ رَغِبَ نَبِيُّ اللَّهِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى فِرْعَوْنَ فِي الْوِلَايَةِ وَالْخِلَافَةِ فَقَالَ: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}.فَطَلَبُ الْوِلَايَةِ وَوَصْفُ نَفْسِهِ بِمَا يَسْتَحِقُّهَا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ {إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا حَفِيظٌ لِمَا اسْتَوْدَعْتَنِي عَلِيمٌ بِمَا وَلَّيْتَنِي، وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَفِيظٌ لِلْحِسَابِ عَلِيمٌ بِالْأَلْسُنِ، وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ سُفْيَانَ، وَخَرَجَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ حَدِّ التَّزْكِيَةِ لِنَفْسِهِ وَالْمَدْحِ لَهَا لِأَنَّهُ كَانَ لِسَبَبٍ دَعَا إلَيْهِ.
وَاخْتُلِفَ لِأَجْلِ ذَلِكَ فِي جَوَازِ الْوِلَايَةِ مِنْ قِبَلِ الظَّالِمِ فَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى جَوَازِهَا إذَا عَمِلَ بِالْحَقِّ فِيمَا يَتَوَلَّاهُ، لِأَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَوَلَّى مِنْ قِبَلِ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ بِعَدْلِهِ دَافِعًا لِجَوْرِهِ.
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى إلَى حَظْرِهَا وَالْمَنْعِ مِنْ التَّعَرُّضِ لَهَا لِمَا فِيهَا مِنْ تَوَلِّي الظَّالِمِينَ وَالْمَعُونَةِ لَهُمْ وَتَزْكِيَتِهِمْ بِالتَّقْلِيدِ أَوْ أَمْرِهِمْ.
وَأَجَابُوا عَنْ وِلَايَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ قِبَلِ فِرْعَوْنَ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ فِرْعَوْنَ يُوسُفَ كَانَ صَالِحًا وَإِنَّمَا الطَّاغِي فِرْعَوْن مُوسَى.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ نَظَرَ فِي أَمْلَاكِهِ دُونَ أَعْمَالِهِ.
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 188
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست