responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 171
لكن إن علم أنه لا ينتهي عن منكره بمجرد القول، جاز له البدء بالدرجة الأعلى، وقد قال الجصاص: ((كَمَنْ رَأَى رَجُلًا قَصَدَهُ أَوْ قَصَدَ غَيْرَهُ بِقَتْلِهِ أَوْ بِأَخْذِ مَالٍ أَوْ قَصَدَ الزِّنَا بِامْرَأَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْتَهِي إنْ أَنْكَرَهُ بِالْقَوْلِ أَوْ قَاتَلَهُ بِمَا دُونَ السِّلَاحِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ؛ لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: {مَنْ رَأَى مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ}،فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ تَغْيِيرُهُ بِيَدِهِ إلَّا بِقَتْلِ الْمُقِيمِ عَلَى هَذَا الْمُنْكَرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ فَرْضًا عَلَيْهِ.
وَإِنْ غَلَبَ فِي ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ أَنْكَرَهُ بِيَدِهِ وَدَفْعَهُ عَنْهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ انْتَهَى عَنْهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى قَتْلِهِ، وَإِنْ غَلَبَ فِي ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ أَنْكَرْهُ بِالدَّفْعِ بِيَدِهِ أَوْ بِالْقَوْلِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ دَفْعُهُ عَنْهُ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ إزَالَةُ هَذَا الْمُنْكَرِ إلَّا بِأَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ مِنْ غَيْرِ إنْذَارٍ مِنْهُ لَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ غَصَبَ مَتَاعَ رَجُلٍ:" وَسِعَكَ قَتْلُهُ حَتَّى تَسْتَنْقِذَ الْمَتَاعَ وَتَرُدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ " وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي السَّارِقِ إذَا أَخَذَ الْمَتَاعَ:" وَسِعَكَ أَنْ تَتْبَعَهُ حَتَّى تَقْتُلَهُ إنْ لَمْ يَرُدَّ الْمَتَاعَ ".
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي اللِّصِّ الَّذِي يَنْقُبُ الْبُيُوتَ:" يَسَعُكَ قَتْلُهُ " وَقَالَ فِي رَجُلٍ يُرِيدُ قَلْعَ سِنِّك، قَالَ فَلَكَ أَنْ تَقْتُلَهُ إذَا كُنْت فِي مَوْضِعٍ لَا يُعِينُك النَّاسُ عَلَيْهِ " وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ} فَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ.
وَلَمْ يَرْفَعْهُ عَنْهُمْ إلَّا بَعْدَ الْفَيْءِ إلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَرْكِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْبَغْيِ وَالْمُنْكَرِ.
وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: {مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ} يُوجِبُ ذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَمَرَ بِتَغْيِيرِهِ بِيَدِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ تَغْيِيرُهُ إلَّا بِالْقَتْلِ فَعَلَيْهِ قَتْلُهُ حَتَّى يُزِيلَهُ.
وَكَذَلِكَ قُلْنَا فِي أَصْحَابِ الضَّرَائِبِ وَالْمُكُوسِ الَّتِي يَأْخُذُونَهَا مِنْ أَمْتِعَةِ النَّاسِ: إنَّ دِمَاءَهُمْ مُبَاحَةٌ وَوَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَتْلُهُمْ.
وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَقْتُلَ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ إنْذَارٍ مِنْهُ لَهُ، وَلَا التَّقَدُّمِ إلَيْهِمْ بِالْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ حَالِهِمْ أَنَّهُمْ غَيْرُ قَابِلِينَ إذَا كَانُوا مُقْدِمِينَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ الْعِلْمِ بِحَظْرِهِ، وَمَتَى أَنْذَرَهُمْ مَنْ يُرِيدُ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ امْتَنَعُوا مِنْهُ حَتَّى لَا يُمْكِنَ تَغْيِيرُ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْمُنْكَرِ، فَجَائِزٌ قَتْلُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُقِيمًا عَلَى ذَلِكَ، وَجَائِزٌ مَعَ ذَلِكَ تَرْكُهُمْ لِمَنْ خَافَ إنْ أَقْدَمَ عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ أَنْ يُقْتَلَ؛ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ اجْتِنَابَهُمْ وَالْغِلْظَةَ عَلَيْهِمْ بِمَا أَمْكَنَ وَهِجْرَانَهُمْ.
وَكَذَلِكَ حُكْمُ سَائِرِ مَنْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَعَاصِي الْمُوبِقَاتِ مُصِرًّا عَلَيْهَا مُجَاهِرًا بِهَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ ذَكَرْنَا فِي وُجُوبِ النَّكِيرِ عَلَيْهِمْ بِمَا أَمْكَنَ وَتَغْيِيرِ مَا هُمْ عَلَيْهِ بِيَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيُنْكِرْهُ بِلِسَانِهِ، وَذَلِكَ إذَا رَجَا أَنَّهُ إنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ بِالْقَوْلِ أَنْ يَزُولُوا عَنْهُ وَيَتْرُكُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَرْجُ

اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 171
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست