اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 154
قلت: قول ابن كثير -رحمه الله-: ((وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه)) معناه بحسب قدرته، ويدل على ذلك استشهاده بحديث أبي سعيد الذي جعل مناط الأمر بالتغيير هو الاستطاعة.
وفي معنى هذه الآية آيات أُخر منها قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ... } (آل عمران:110) وقوله تعالى في نعت المؤمنين الذين باعوا أنفسهم وأموالهم لله تعالى: {اْلَّتَائِبُونَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنكَرِ وَالحَافِظُونَ لحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ} (التوبة:112)
قال الجصاص بعد أن ذكر طائفة من هذه الآيات الكريمة: ((فَهَذِهِ الْآيُ وَنَظَائِرُهَا مُقْتَضِيَةٌ لِإِيجَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَهِيَ عَلَى مَنَازِلَ: أَوَّلُهَا تَغْيِيرُهُ بِالْيَدِ إذَا أَمْكَنَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وَكَانَ فِي نَفْيِهِ خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ إذَا أَنْكَرَهُ بِيَدِهِ فَعَلَيْهِ إنْكَارُهُ بِلِسَانِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ لِمَا وَصَفْنَا فَعَلَيْهِ إنْكَارُهُ بِقَلْبِهِ.)) [1] أ. هـ.
والمقصود من ذلك أنه قد ثَبَتَ بهذه الآيات وغيرها وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه فرض على الكفاية، وهذا الحكم شامل لكل مراتب التغيير، ولا نعلم دليلاً واحداً يخصُّ الحكام بمرتبة من هذه المراتب، فمن ادعَّى شيئاً من ذلك فعليه الدليل.
ثانيًا: من السنة النبوية الشريفة
الحديث الأول: عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلاَةِ مَرْوَانُ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ الصَّلاَةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. فَقَالَ قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ» [2].
وقد دل هذا الحديث على أن لآحاد الرعية تغيير المنكر بأيديهم من وجوه:
الوجه الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم -[مَنْ] وهي من صيغ العموم، وذلك يعني أن الخطاب موجه إلى كل فرد من الأمة وليس إلى طائفة معينة منهم، وعلى من ادعى تخصيص طائفة معينة بشيء مما ورد في هذا الحديث أن يأتينا بالمخصص وأنى له ذلك؟
الوجه الثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -[منكم] والقائل هو النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الحاكم، والمخاطَبون بذلك هم الرعية فلو كان الذي يغير بيده هو الحاكم وحده فكيف خوطب الرعية بذلك؟! [1] - أحكام القرآن للجصاص (2/ 30) و أحكام القرآن للجصاص - (ج 3 / ص 456) [2] - مسلم (49) و صحيح مسلم برقم (186) وأبو داود (1140، 4340) والترمذي (2172) وابن ماجه (1275، 4013) ... والنسائي (8/ 111 - 112) وأحمد (3/ 54).
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 154