responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 139
وبالجملة فالأمثلة كثيرة، وهى وإن كان بعضها لم تجتمع فيه شروط الصحة من جهة الإسناد، غير أنه مما لم يعلم كذبه فتجوز روايته تحت أصل صحيح، ومعلوم أن قيام العلماء بواجب الإنكار العلني على السلطة مع أمن وقوع مفسدة أكبر مستفيض استفاضة تغني عن التفتيش عن إسناد كل خبر على حدة، والنماذج من تاريخنا كثيرة جداً، ولهذا قال الإمام عبدالرحمن بن أبي بكر الحنبلي في كتابه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [1]: (والمقصود أنه كان من عادة السلف الإنكار على الأمراء والسلاطين والصدع بالحق وقلة المبالاة بسطوتهم إيثاراً لإعزاز الشرع على حفظ مهجهم واستسلاماً للشهادة إن حصلت لهم).
وأما ما يقرره بعض الباحثين من أن نقد الحاكم الجائر لا يجوز أن يكون إلا سرًّا في جميع الأحوال، فليس عليه دليل يقتضي الحصر، حتى لو سلم صحة حديث عياض بن غنم الذي يدل على بذل النصيحة للسلطان سرَّاً [2] - مع أنه متكلم في إسناده - فإن سبيل الجمع بينه وبين الأحاديث التي تعارضه أن يحمل ما ورد في شأن الإسرار على ما كان من النصيحة في مخالفات الحاكم القاصرة عليه، وما ورد في الإعلان على المنكر المتعدي كالظلم وإشاعة الفساد ونحو ذلك، ولم يزل العلماء يوفقون بين النصوص التي يظن بينها تعارض على هذا النحو، كما قيل في التوفيق بين أحاديث استقبال القبلة واستدبارها في قضاء الحاجة، ونقض الوضوء بلمس الذكر، وصلاة المأمومين إذا صلى الإمام جالساً، وأحاديث نفي العدوى مع الأمر بالفرار من المجذوم، وما ورد في المخابرة في باب المزارعة، ونحوها كثير، وأما إلغاء النصوص التي عضدها عمل الفقهاء وعادة العلماء وتعطيل دلالاتها، والتمسك بنص واحد دون سواه رضوخاً لضغط الواقع، ثم تأويل الشرع ليوافقه، فليس من صنيع أهل الفقه والتحقيق.
الوسيلة الثالثة: الاستفادة من أثر الرأي العام للرقابة على السلطة:
ومن الأمثلة في التاريخ ما رواه ابن الجوزي بإسناده أن المأمون قال: (لولا يزيد بن هارون لأظهرت أن القرآن مخلوق فقال بعض جلسائه: يا أمير المؤمنين، ومن يزيد حتى يُتقى؟،قال ويحك، إني أخاف أن يرد علي، فيختلف الناس وتكون فتنة، وأنا أكره الفتنة، فقال له الرجل: فأنا أخبر لك ذلك منه، فقال له: نعم، قال: فخرج إلى واسط، فجاء إلى يزيد بن هارون، فدخل عليه المسجد، وجلس إليه فقال له: يا أبا

[1] - ص 201
[2] - مسند أحمد برقم (15728) {3/ 404} عن شُرَيْحَ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَضْرَمِىُّ وَغَيْرُهُ قَالَ جَلَدَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ صَاحِبَ دَارَا حِينَ فُتِحَتْ فَأَغْلَظَ لَهُ هِشَامُ بْنُ حَكِيمٍ الْقَوْلَ حَتَّى غَضِبَ عِيَاضٌ ثُمَّ مَكَثَ لَيَالِىَ فَأَتَاهُ هِشَامُ بْنُ حَكِيمٍ فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ هِشَامٌ لِعِيَاضٍ َلَمْ تَسْمَعِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ «إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَاباً أَشَدَّهُمْ عَذَاباً فِى الدُّنْيَا لِلنَّاسِ». فَقَالَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ يَا هِشَامُ بْنَ حَكِيمٍ قَدْ سَمِعْنَا مَا سَمِعْتَ وَرَأَيْنَا مَا رَأَيْتَ أَوَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلاَ يُبْدِ لَهُ عَلاَنِيَةً وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ وَإِلاَّ كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِى عَلَيْهِ لَهُ». وَإِنَّكَ يَا هِشَامُ لأَنْتَ الْجَرِىءُ إِذْ تَجْتَرِئُ عَلَى سُلْطَانِ اللَّهِ فَهَلاَّ خَشِيتَ أَنْ يَقْتُلَكَ السُّلْطَانُ فَتَكُونَ قَتِيلَ سُلْطَانِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وفيه ضعف وأكثره صحيح
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 139
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست