responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 123
وسمى الحاكم بغير ما أنزل الله تعالى كافراً وظالماً وفاسِقاً، قال تعالى: { .. وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (44) سورة المائدة، وإنما نزلت في اليهود الذين وضعوا تشريعا واحداً بدل حكم الله تعالى [1]، وهم يعلمون أنهم وضعوه من عند أنفسهم لا من عند الله، فكيف بمن وضع تشريعاً عاماً وهو يقر أنه اتبع فيه الكفرة الملاحدة أعداء الرسل دون ما أنزل الله تعالى، وإذا كان الله تعالى قد جعل تغيير حكمه في الأشهر الحرم زيادة في الكفر كما قال تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (37) سورة التوبة، وقد كان في إرجاء أهل الجاهلية الشهر الحرام وإبداله بالحل ليقاتلوا عدوهم فيه، إذ كانوا يحرِّمون القتال في الأشهر الحرم تعظيماً لها، فسمّى الله فعلهم هذا في تغيير وإرجاء حكم الله تعالى في الشهر الحرام، زيادة في الكفر، فكيف بمن أرجأ الشريعة كُلها أو جُلَّها، وأحلَّ محلها قوانين الكفرة الملاحدة أعداء الرسل والدين، فإلى أي مدى تبلغ زيادة كفره إذن؟.
غير أن هذه الأصوات لم تصل إلا إلى شيء واحد فحسب، هو أن تبقى على ذلك النص التقليدي الذي تصدر بعض دساتير الدول العربية (دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع)،وهو كما قال عبد الحميد متولي متهكماً: (إن هذا النص لا يترتب عليه أي التزام بتحكيم الشريعة وإنما هو بمثابة تحية كريمة للعقيدة الدينية التي تدين بها الأغلبية أو كفارة تقدمها الدولة لعدم التزام أحكام الشريعة في تشريعاتها).
ولا ريب أن هذا النص ما هو إلا أحد الأمثلة على ضروب التناقض التي تعيشها الأمة الإسلامية التي ضلت طريق الهدى بعد نبذ كتاب الله تعالى وأحكامه، ويعكس مدى الحيرة والتيه الذي صارت إليه.
ذلك أن معنى الدين هو الخضوع بالطاعة والانقياد، ومعنى الإسلام الاستسلام لله تعالى ورأس ذلك التسليم لأحكامه كلها بلا استثناء، قال تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (131) سورة البقرة، وقال تعالى: {ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ

[1] - صحيح مسلم برقم (4536) عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ مُرَّ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَهُودِىٍّ مُحَمَّمًا مَجْلُودًا فَدَعَاهُمْ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ «هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِى فِى كِتَابِكُمْ».
قَالُوا نَعَمْ. فَدَعَا رَجُلاً مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَقَالَ «أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ الَّذِى أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِى فِى كِتَابِكُمْ». قَالَ لاَ وَلَوْلاَ أَنَّكَ نَشَدْتَنِى بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ نَجِدُهُ الرَّجْمَ وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِى أَشْرَافِنَا فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ قُلْنَا تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ عَلَى شَىْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «اللَّهُمَّ إِنِّى أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ». فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى الْكُفْرِ) إِلَى قَوْلِهِ (إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ) يَقُولُ ائْتُوا مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - فَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالتَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ فَخُذُوهُ وَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) فِى الْكُفَّارِ كُلُّهَا. المحمم: مسود الوجه
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 123
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست