اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 117
بَيْعِهَا، وَيَكْتُمُهَا، وَيَطْلُبُهَا أَهْلُ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، فَلَا يَجِدُونَهَا إلَّا قَلِيلًا، فَيَرْفَعُونَ فِي ثَمَنِهَا لِيَصِلُوا إلَيْهَا، فَتَغْلُوا الْأَسْعَارُ، وَيَحْصُلُ الْإِضْرَارُ بِالْجَانِبَيْنِ، جَانِبِ الْمُلَّاكِ فِي مَنْعِهِمْ مِنْ بَيْعِ أَمْلَاكِهِمْ، وَجَانِبِ الْمُشْتَرِي فِي مَنْعِهِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى غَرَضِهِ، فَيَكُونُ حَرَامًا.
القول الثاني: جواز التسعير في الأحوال العادية التي لا يظهر فيها ظلم التجار ولا غلاء الأسعار. وهذا القول نقل عن سعيد بن المسيب وربيعة بن عبد الرحمن ويحيى بن سعيد الأنصاري، فالتسعير عندهم جائز مطلقاً، وعللوا بأن فيه مصلحة للناس، وفيه منعٌ من إغلاء السعر.
والذي ذهب إليه الجمهور هو الأولى بالأخذ والاعتبار، ونظراً لقوة الأدلة التي استدلوا بها، ولأن الأصل في الشريعة هو حرية التعامل بين الناس ماداموا واقفين عند حدود الله فلا ظلم ولا غش ولا احتكار ولا تلاعب في الأسعار، ولا شك أن هذه الحرية تعدُّ عاملاً قوياً في زيادة الفعالية الاقتصادية وتوفير أنواع المتاع، والتسعير دون الحاجة إليه عمل يخالف الأصل الذي بني عليه التعامل، ويقيد الحرية ويؤدي إلى اختفاء السلع .. الأمر الذي لا يعود على الأمة إلا بالغلاء، ويؤدي إلى انتشار السوق السوداء على نطاق واسع.
الحالة الثانية: التسعير في حالة الغلاء: وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على رأيين:
الرأي الأول: رأي المانعين للتسعير، وقد ذهب إلى ذلك كثير من الشافعية والحنابلة والمالكية، واستدل هؤلاء بما أخرجه الطبراني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ:"بَلْ أَدْعُو اللَّهَ"، ثُمَّ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ:"بَلِ اللَّهُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَتْ لأَحَدٍ عِنْدِي مَظْلَمَةٌ" [1].
ووجه الدلالة من هذا الحديث هو أن التسعير يعد إجباراً للناس على بيع ما عندهم بغير طيب من أنفسهم، وهذا ظلم لهم.
واستدلوا بما أخرجه البيهقي في سننه من طريق الشافعي عَنْ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهِ عَنْهُ: أَنَّهُ مَرَّ بِحَاطِبٍ بِسُوقِ الْمُصَلَّى وَبَيْنَ يَدَيْهِ غَرَارَتَانِ فِيهِمَا زَبِيبٌ فَسَأَلَهُ عَنْ سِعْرِهِمَا فَسَعَّرَ لَهُ مُدَّيْنِ لِكُلِّ دِرْهَمٍ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِىَ اللَّهِ عَنْهُ قَدْ حُدِّثْتُ بِعِيرٍ مُقْبِلَةٍ مِنَ الطَّائِفِ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَهُمْ يَعْتَبِرُونَ بِسِعْرِكَ فَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَ فِى السِّعْرِ وَإِمَّا أَنْ تُدْخِلَ زَبِيبَكَ الْبَيْتَ فَتَبِيعَهُ كَيْفَ شِئْتَ. فَلَمَّا رَجَعَ عُمَرُ حَاسَبَ نَفْسَهُ ثُمَّ أَتَى حَاطِبًا فِى دَارِهِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الَّذِى قُلْتُ لَيْسَ بِعَزْمَةٍ مِنِّى وَلاَ قَضَاءٍ إِنَّمَا هُوَ شَىْءٌ أَرَدْتُ بِهِ الْخَيْرَ لأَهْلِ الْبَلَدِ فَحَيْثُ شِئْتَ فَبِعْ وَكَيْفَ شِئْتَ فَبِعْ [2]. [1] - المعجم الكبير للطبراني - (ج 19 / ص 121) برقم (278) وهو صحيح [2] - السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (ج 6 / ص 29) برقم (11477) وهو صحيح مرسل
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 117