ما سبق كان عرضاً موجزاً لكيفية تَنَاوُلِ القدماء والمحدثون للهمزة في أوضاعها المختلفة، على أنها ظاهرة لهجية تنضبط نسبيا بالعرف اللغوي، الذي ساد القبائل العربية كما مرَّ.
أما عن تَنَاوُلِ المعاجم لظاهرة الهمزة فمن الطبيعي أن يأتي تناولهم لها متفقاً مع تناول علماء اللغة؛ لأن الأقوال التي ذكروها في معاجمهم إنما جُمِعَتْ من أفواه أهل اللغة.
وكان من المتوقع أن يتناول الزبيدي الهمزة في مادة (هـ م ز)، لكنه تناولها في مادة (ن ب ر)، وعَرَّفَ النبر بأنه همز الحرف، وذكر في أكثر من موضع أن الهمز لم يكن من لغة قريش، واحتج بحديث: قال رجلٌ للنبى - صلى الله عليه وسلم -: يا نَبِيءَ الله فقال: "لا تَنْبِرْ باسمي" أي لا تَهْمِز. وفي رواية: " إنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لا نَنْبِر" [1]. وكذلك أَقَرَّ بأن الهمز لم يكن من لغة أهل المدينة، واستدل بهذا الحَدَثِ التاريخي، قال: "ولمّا حَجَّ المَهدِيُّ، قَدَّمَ الكِسائيَّ يُصلِّي بالمدينة فَهَمَزَ فأَنْكَرَ أَهْلُ المدينةِ عليه وقالوا: تَنْبِر في مَسْجِدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن؟ " [2]. [1] روى الحاكم في المستدرك على الصحيحين، باب لست بنبيء الله ولكني نبي الله حديثا قريب اللفظ من هذا الحديث، برقم: 2859. قال: عن أبي ذر - صلى الله عليه وسلم - قال: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبيء الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لست بنبيء الله ولكني نبي الله». وقال بعده: عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «ما همز رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أبو بكر، ولا عمر ولا الخلفاء، وإنما الهمز بدعة، ابتدعوها من بعدهم». [2] التاج: 14/ 164.
اسم الکتاب : أثر القراءات القرآنية في الصناعة المعجمية تاج العروس نموذجا المؤلف : القادوسي، عبد الرازق بن حمودة الجزء : 1 صفحة : 119