responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الجامع الصحيح للسنن والمسانيد المؤلف : صهيب عبد الجبار    الجزء : 1  صفحة : 188
(خ م) , وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ , عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رضي الله عنها - [1] أَنَّ الحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ - رضي الله عنه - [2] سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ [3]؟ , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ [4] وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ [5] فَيَفْصِمُ عَنِّي [6] وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ [7] وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا [8] فَيُكَلِّمُنِي، فَأَعِي مَا يَقُولُ ([9]) "
قَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - [10]: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ , فَيَفْصِمُ عَنْهُ , وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ [11] عَرَقًا " (12)

[1] (أُمّ الْمُؤْمِنِينَ) مَاخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَزْوَاجه أُمَّهَاتهمْ} (الأحزاب: 6) أَيْ: فِي الِاحْتِرَامِ وَتَحْرِيمِ نِكَاحِهِنَّ , لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الرَّاجِحِ وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْوَاحِدَةِ مِنْهُنَّ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ لِلتَّغْلِيبِ , وَإِلَّا فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُقَالَ لَهَا: أُمُّ الْمُؤْمِنَاتِ. فتح الباري لابن حجر (1/ 18)
[2] هُوَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ، أَخُو أَبِي جَهْل , شَقِيقُهُ، أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْح، وَكَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَة، وَاسْتُشْهِدَ فِي فُتُوح الشَّام. فتح الباري (1/ 18)
[3] قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْهُ السُّؤَالُ عَنْ كَيْفِيَّةِ ابْتِدَاءِ الْوَحْيِ , أَوْ عَنْ كَيْفِيَّةِ ظُهُورِ الْوَحْيِ. فتح الباري لابن حجر (1/ 19)
[4] (الصَّلْصَلَةُ) فِي الْأَصْلِ: صَوْتُ وُقُوعِ الْحَدِيدِ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ , ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى كُلِّ صَوْتٍ لَهُ طَنِينٌ.
فَإِنْ قِيلَ: الْمَحْمُودُ لَا يُشَبَّهُ بِالْمَذْمُومِ , إِذْ حَقِيقَةُ التَّشْبِيهِ إِلْحَاقُ نَاقِصٍ بِكَامِلٍ , وَالْمُشَبَّهُ الْوَحْيُ , وَهُوَ مَحْمُودٌ , وَالْمُشَبَّهُ بِهِ صَوْتُ الْجَرَسِ , وَهُوَ مَذْمُومٌ , لِصِحَّةِ النَّهْيِ عَنْهُ , وَالتَّنْفِيرِ مِنْ مُرَافَقَةِ مَا هُوَ مُعَلَّقٌ فِيهِ , وَالْإِعْلَامُ بِأَنَّهُ لَا تَصْحَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ , كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا , فَكَيْفَ يُشَبَّهُ مَا فَعَلَهُ الْمَلَكُ بِأَمْرٍ تَنْفِرُ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ؟.
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي التَّشْبِيهِ تَسَاوِي الْمُشَبَّهِ بِالْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الصِّفَاتِ كُلِّهَا , بَلْ وَلَا فِي أَخَصِّ وَصْفٍ لَهُ , بَلْ يَكْفِي اشْتِرَاكُهُمَا فِي صِفَةٍ مَا , فَالْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانُ الْجِنْسِ , فَذَكَرَ مَا أَلِفَ السَّامِعُونَ سَمَاعَهُ , تَقْرِيبًا لِأَفْهَامِهِمْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّوْتَ لَهُ جِهَتَانِ: جِهَةُ قُوَّةٍ , وَجِهَةُ طَنِينٍ , فَمِنْ حَيْثُ الْقُوَّةُ وَقَعَ التَّشْبِيهُ بِهِ , وَمِنْ حَيْثُ الطَّرَبُ وَقَعَ التَّنْفِيرُ عَنْهُ , وَعُلِّلَ بِكَوْنِهِ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْهُ وَقَعَ بَعْدَ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ , وَفِيهِ نَظَرٌ.
قِيلَ: وَالصَّلْصَلَةُ الْمَذْكُورَةُ صَوْتُ الْمَلَكِ بِالْوَحْيِ , قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ أَنَّهُ صَوْتٌ مُتَدَارَكٌ , يَسْمَعُهُ وَلَا يَتَبَيَّنُهُ أَوَّلَ مَا يَسْمَعُهُ حَتَّى يَفْهَمَهُ بَعْدُ.
وَقِيلَ: بَلْ هُوَ صَوْتُ حَفِيفِ أَجْنِحَةِ الْمَلَكِ , وَالْحِكْمَةُ فِي تَقَدُّمِهِ أَنْ يَقْرَعَ سَمْعَهُ الْوَحْيُ , فَلَا يَبْقَى فِيهِ مَكَانٌ لِغَيْرِهِ , وَلَمَّا كَانَ الْجَرَسُ لَا تَحْصُلُ صَلْصَلَتُهُ إِلَّا مُتَدَارِكَةً , وَقَعَ التَّشْبِيهُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْآلَات. فتح الباري لابن حجر (1/ 20)
[5] قَوْله: (وَهُوَ أَشَدّه عَلَيَّ) يُفْهَم مِنْهُ أَنَّ الْوَحْيَ كُلَّهُ شَدِيدٌ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الصِّفَة أَشَدُّهَا , وَهُوَ وَاضِح؛ لِأَنَّ الْفَهْمَ مِنْ كَلَامٍ مِثْلَ الصَّلْصَلَةِ أَشْكَلُ مِنْ الْفَهْمِ مِنْ كَلَامِ الرَّجُل بِالتَّخَاطُبِ الْمَعْهُود.
وقِيلَ: إِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَنْزِلُ هَكَذَا إِذَا نَزَلَتْ آيَةُ وَعِيدٍ أَوْ تَهْدِيدٍ , وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ , وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْقُرْآنِ , كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ فِي قِصَّةِ لَابِسِ الْجُبَّةِ الْمُتَضَمِّخِ بِالطِّيبِ فِي الْحَجِّ , فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُ رَآهُ - صلى الله عليه وسلم - حَالَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ , وَإِنَّهُ لَيَغِطُّ , وَفَائِدَةُ هَذِهِ الشِّدَّةُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَشَقَّةِ من زِيَادَةِ الزُّلْفَى والدَّرَجَات. فَتْحِ (1/ 20)
[6] أَيْ: يُقْلِعُ وَيَتَجَلَّى مَا يَغْشَانِي، وَيُرْوَى بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ , وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي ذَرٍّ: بِضَمِّ أَوَّلِهِ , وَفَتْحِ الصَّاد , عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ.
وَأَصْل الْفَصْم: الْقَطْع، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لَا اِنْفِصَام لَهَا} [البقرة: 256].فَتْح (1/ 20 - 21)
[7] أَيِ: وَعَيْتُ عَنْهُ الْقَوْلَ الَّذِي جَاءَ بِهِ. فتح الباري لابن حجر (1/ 21)
[8] التَّمَثُّلُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمِثْلِ , أَيْ: يَتَصَوَّرُ , وَاللَّامُ فِي الْمَلَكِ لِلْعَهْدِ , وَهُوَ جِبْرِيلُ وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي رِوَايَة ابن سَعْدٍ , وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَلَكَ يَتَشَكَّلُ بِشَكْلِ الْبَشَرِ. فتح الباري لابن حجر (1/ 21)
[9] قال الحافظ في الفتح (1/ 19 - 20): وَأُورِدَ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ الْحَدِيثُ وَهُوَ أَنَّ الْوَحْيَ مُنْحَصِرٌ فِي الْحَالَتَيْنِ , حَالَاتٌ أُخْرَى , إِمَّا مِنْ صِفَةِ الْوَحْيِ , كَمَجِيئِهِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ , وَالنَّفْثِ فِي الرُّوْعِ , وَالْإِلْهَامِ , وَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ , وَالتَّكْلِيمِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ بِلَا وَاسِطَةٍ , وَإِمَّا مِنْ صِفَةِ حَامِلِ الْوَحْيِ , كَمَجِيئِهِ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ , وَرُؤْيَتِهِ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَقَدْ سَدَّ الْأُفُقَ. وَالْجَوَابُ: مَنْعُ الْحَصْرِ فِي الْحَالَتَيْنِ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُمَا , وَحَمْلُهُمَا عَلَى الْغَالِبِ ,
أَوْ حَمْلُ مَا يُغَايِرُهُمَا عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ السُّؤَالِ , أَوْ لَمْ يَتَعَرَّضَ لِصِفَتَيِ الْمَلَكِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لِنُدُورِهِمَا , فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ كَذَلِكَ إِلَّا مَرَّتَيْنِ , أَوْ لَمْ يَاتِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِوَحْيٍ , أَوْ أَتَاهُ بِهِ فَكَانَ عَلَى مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ , فَإِنَّهُ بَيَّنَ بِهَا صِفَةَ الْوَحْي لَا صِفَةَ حَامِلِهِ , وَأَمَّا فُنُونُ الْوَحْيِ , فَدَوِيُّ النَّحْلِ لَا يُعَارِضُ صَلْصَلَةَ الْجَرَسِ , لِأَنَّ سَمَاعَ الدَّوِيِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَاضِرِينَ , كَمَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ " يُسْمَعُ عِنْدَهُ كَدَوِيِّ النَّحْلِ " , وَالصَّلْصَلَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَشَبَّهَهُ عُمَرُ بَدَوِيِّ النَّحْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّامِعِينَ , وَشَبَّهَهُ هُوَ - صلى الله عليه وسلم - بِصَلْصَلَةِ الْجَرَسِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَقَامِهِ , وَأَمَّا النَّفْثُ فِي الرُّوْعِ , فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ , فَإِذَا أَتَاهُ الْمَلَكُ فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ , نَفَثَ حِينَئِذٍ فِي رُوْعِهِ , وَأَمَّا الْإِلْهَامُ , فَلَمْ يَقَعِ السُّؤَالُ عَنْهُ , لِأَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنْ صِفَةِ الْوَحْيِ الَّذِي يَأْتِي بِحَامِلٍ , وَكَذَا التَّكْلِيمُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ , وَأما الرُّؤْيَا الصَّالِحَة , فَقَالَ ابن بَطَّالٍ: لَا تَرِدُ , لِأَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَمَّا يَنْفَرِدُ بِهِ عَنِ النَّاسِ , لِأَنَّ الرُّؤْيَا قَدْ يَشْرَكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ انتهى.
وَالرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ وَإِنْ كَانَتْ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ , فَهِيَ بِاعْتِبَارِ صِدْقِهَا لَا غَيْرُ , وَإِلَّا لَسَاغَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يُسَمَّى نَبِيًّا , وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
[10] قال الحافظ في الفتح (1/ 21): قَوْلُهُ (قَالَتْ عَائِشَةُ) هُوَ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ , كَمَا يَسْتَعْمِلُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ كَثِيرًا , وَحَيْثُ يُرِيدُ التَّعْلِيقَ يَأْتِي بِحَرْفِ الْعَطْفِ , وَنُكْتَةُ هَذَا الِاقْتِطَاعِ هُنَا , اخْتِلَافُ التَّحَمُّلِ , لِأَنَّهَا فِي الْأَوَّلِ أَخْبَرَتْ عَنْ مَسْأَلَةِ الْحَارِثِ , وَفِي الثَّانِي أَخْبَرَتْ عَمَّا شَاهَدَتْ تَايِيدًا لِلْخَبَرِ الْأَوَّلِ.
[11] قَوْلُهُ (لَيَتَفَصَّدُ) مَاخُوذٌ مِنَ الْفَصْدِ , وَهُوَ قَطْعُ الْعِرْقِ لِإِسَالَةِ الدَّمِ , شُبِّهَ جَبِينُهُ بِالْعِرْقِ الْمَفْصُودِ , مُبَالَغَةً فِي كَثْرَةِ الْعَرَقِ.
وَفِي قَوْلِهَا فِي " الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ " دِلَالَةٌ عَلَى كَثْرَةِ مُعَانَاةِ التَّعَبِ وَالْكَرْبِ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ , لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْعَادَةِ , وَهُوَ كَثْرَةُ الْعَرَقِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ , فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِوُجُودِ أَمْرٍ طَارِئٍ زَائِدٍ عَلَى الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ.
(12) (خ) 2 , (م) 87 - (2333) , (ت) 3634 , (س) 933 , (حم) 25291
اسم الکتاب : الجامع الصحيح للسنن والمسانيد المؤلف : صهيب عبد الجبار    الجزء : 1  صفحة : 188
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست