responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دروس الشيخ سعد البريك المؤلف : سعد البريك    الجزء : 1  صفحة : 3
التجارة العظيمة والصفقة الرابحة
أيها الأحبة: شأن الجهاد عظيم، وفضله جليل:
لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها
والحاصل أيها الأحبة! أن لذة الجهاد لا يحصرها قلم، ولا يصفها لسان، ولا يحيط بها بيان، ولكن أن نتعرف إلى الشيء بملامحه وسماته، ففي هذا خيرٌ عظيم من عند الله جل وعلا، يقول الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111] إن الله أصدق قيلاً، وأصدق حديثاً، وأوفى بالعهود والمواثيق: {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111] تأملوا هذه الآية العظيمة التي فيها شراء، وفيها صفقةٌ عظيمة، ولـ ابن القيم كلامٌ أجمل مما نقول ويُقال في هذا الباب: المشتري هو الله، والمتفضل هو الله، والمنعم هو الله؛ خلق هذه النفس من العدم وأطعمها وسقاها وكفاها وآواها، ودفع عنها النقم، وأسبل عليها وابل النعم، ثم هو جل وعلا يشتريها من صاحبها ويبذل له عوضاً وثمناً ألا وهو الجنة؛ فيها مالا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
ولو أن القلوب سليمة، كما قال ابن القيم في نونيته:
والله لو أن القلوب سليمةٌ لتقطعت ألماً من الحرمان

يا سلعة الرحمن لست رخيصةً بل أنت غاليةٌ على الكسلان

يا سلعة الرحمن سوقك كاسدٌ فلقد عرضت بأيسر الأثمان

يا سلعة الرحمن كيف تصبّر الخطاب عنك وهم ذوو إيمان

يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحدٌ لا اثنان
إذا كان الثمن هو الجنة، فإنه لا يجتهد في هذه الصفقة أو أن يكون ممن يبتاعها إلا واحدٌ ممن عرف الثمن وعرف القيمة والعوض والمعوض.
أيها الأحبة في الله! هذا فضلٌ من الله، والله دعانا أن نستبشر بقوله: {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ} [التوبة:111] أي: اضمنوا أنها صفقةٌ رابحةٌ لا تَندُّم بعدها، لو أن أحداً اشترى بضاعةً أو عقاراً أو داراً، ثم عاد وخلا بنفسه وأخذ يقلب الحال، هل غُبن في هذه الصفقة؟ وهل اشتراها بأكثر من قيمتها؟ أما هذه فهي صفقةٌ مربحةٌ رابحة: {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111].
واعلموا أن هذه السعلة العظيمة الجليلة الكريمة قد عُرضت والناس قد اختلفوا في التوجه إليها، ولكن لا يستوي من طار على خيله، أو انطلق والشوق يدفعه والهوى يجعله محباً لما عند الله وفي سبيل مرضاته، لا يستوي مع من قعد عنها.

خودٌ تزف إلى ضريرٍ مقعدٍ يا محنة الحسناء بالعميان

شمسٌ لعنِّينٍ تزف إليه ما حيلةُ العنِّين في الغشيان
حينما تصف أروع الجمال لرجلٍ لا يبصر هذا الجمال، فما حيلة هذا الوصف، انطلق أقوامٌ إلى هذه السلعة، وأرادوا هذه السلعة العظيمة: (ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) انطلق لها أقوامٌ وقعد آخرون: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} [التوبة:46] ونسأل الله ألا نكون ممن قال الله فيهم: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة:47] فإن القعود عن الجهاد مظنة أن يشك الإنسان في نفسه، ما الذي أقعده عن الجهاد؟! أهو نفاق في قلبه؟! أهو تقصيرٌ في صدق تحقيقه وإيمانه واعتقاده بأمر الله وأمر رسوله، ووعد الله ووعد رسوله صلى الله عليه وسلم؟! يقول جل وعلا: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:95] وإن الله جل وعلا قد أعد مائة درجةٍ في الجنة للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض، فما ظنكم بالبون الشاسع والفرق الواسع بين درجات المجاهدين ودرجات القاعدين؟ إنها تجارة فمن دُل عليها ونالها فقد هدي إلى خيرٍ عظيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الصف:10 - 12] إلى آخر ما بين الله من فضله العظيم وخيره العميم، فيما أعده لعباده المؤمنين.

اسم الکتاب : دروس الشيخ سعد البريك المؤلف : سعد البريك    الجزء : 1  صفحة : 3
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست