اسم الکتاب : نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين المؤلف : آمال صادق الجزء : 1 صفحة : 371
وعلى هذا فلا بُدَّ لنا من استخدام محكاتٍ مختلفةٍ للحكم على النضج المعرفي في مرحلة الرشد؛ لأن استخدام المحكات الخاصة بمرحلة العمليات الصورية مضلل, والبديل لذلك ما يتسم به تفكير الراشدين من خصائص الالتزام والتخصص والخبرة العملية, وتوجيه الطاقة حتى يجد الشخص لنفسه مكانًا ومكانة في النسق الاجتماعي المعقد الذي يعيش فيه, وبهذا تحل الاهتمامات العملية الناضجة للراشدين محل انبهار المراهقين بممارسة المنطق الصوري المثالي.
وهكذا يسقط التصور الذي ظلَّ شائعًا لأكثر من نصف قرن، وهو أن التفكير المنطقي الصوري هو الصورة الأكثر نضجًا ورقيًّا في تفكير الإنسان، وأنه حالما يصل إليه المرء "مع البلوغ الجنسي ومرحلة المراهقة", فإنه يصبح سمة تفكيره طوال حياته بعد ذلك, فقد تَأَكَّدَ أن النشاط المعرفي للراشدين هو في جوهره من النوع النسبي والعملي والمحسوس والعياني والموجَّه نحو سياقٍ معين, وفهم الراشد لظروف الواقع وقيوده وضوابطه علامة على مزيدٍ من النضج والنمو المعرفيين, وليس مؤشرًا على انتكاسٍ إلى مرحلة العمليات العيانية السابقة "في نموذج بياجيه".
وهكذا ترى لابوني -فيف, وجود مرحلة خامسة في النمو المعرفي للإنسان تتلو مرحلة العمليات الصورية, وتظهر في صورة التفكير النسبي العملي السياقي, وتبدأ خصائص هذه المرحلة في الظهور في السنوات التي تتلو مباشرةً المرحلة الثانوية في التعليم، أو مع دخول المراهق سوق العمل، ولهذا فإنها أكثر احتمالًا في الظهور لأول مرةٍ في الطور الذي أسميناه بطور بلوغ السعي أو الشباب, وهي بالقطع من خصائص السلوك المعرفي في الرشد، ويزداد هذا النمط من التفكير تبلورًا مع التقدُّم في العمر الثاني للإنسان "الرشد".
وتعقيبًا على هذه التصورات المختلفة للنشاط المعرفي الراشدين نقول -إنصافًا لبياجيه: إنه كان يرى أن دخول الإنسان عالم العمل قد يؤدي إلى ظهور أنماطٍ جديدة من التكيف, صحيح أنه لم يقترح مرحلة خامسة في النمو المعرفي، إلّا أنه كان على وعيٍ بأن "العمليات الصورية" ليست خاتمة المطاف, وعلى الرغم من أنه لا يوجد بين علماء نفس النمو اتفاق حول وجود وطبيعة مرحلة متميزة بعد مرحلة العمليات الصورية, إلّا أن عددًا كبيرًا من البحوث الحديثة يصف لنا التغيرات التي تطرأ على تفكير الراشدين, والتي لا يمكن تناولها مباشرةً وبسهولةٍ في إطار نموذج بياجيه, والنماذج الثلاثة التي تناولناها ليست كلّ ما في حقيبة البحث النفسي الحديث، فهناك أيضًا نماذج أقل شيوعًا؛ منها نموذج الإفراط في
اسم الکتاب : نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين المؤلف : آمال صادق الجزء : 1 صفحة : 371