اسم الکتاب : نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين المؤلف : آمال صادق الجزء : 1 صفحة : 369
أن التفكير باستخدام العمليات الصورية -وهو أعلى المستويات عنده- هو أكثر صور التفكير نضجًا, كما ينتقد أيضًا رأيه في أن التفكير الناضج ينشد تحقيق التوازن -أي: تحقيق حالة من عدم التوتر فيها يلائم كل شيء بعضه بعضًا "راجع الفصل الخامس من هذا الكتاب", وعلى العكس فإنه يرى أن التفكير الناضج "وهو بالطبع تفكير الراشدين" لا يسعى إلى التوازن أو خفض التوتر، وإنما هو سعيٌ مستمرٌّ نحو الأزمة المعرفية؛ فالعقل الناضج يحتاج إلى الاستثارة المستمرة، ويرحب بالتناقض الظاهري الذي يصاحب وجهتي نظر متعارضتين أو أكثر؛ لأن هذا هو "الغذاء" الذي يهيئ الفرصة لنمو العقل الإنساني.
ويرى ريجل أن التفكير الجدلي يمكن أن يحدث في أيِّ مرحلة من المراحل التي اقترحها بياجيه، على الرغم من أن محتوى العملية الجدلية يكون أقل تعقدًا بكثير في المراحل الدنيا؛ فطفل ما قبل المدرسة مثلًا يعزي صفات مطلقة للأشياء والأشخاص، فخصائص مثل كبير وصغير، ثقيل وخفيف, وغيرها، إما أن تكون أو لا تكون؛ فالشخص إما أن يكون كبيرًا أو صغيرًا, وبعد ذلك يصبح العقل أكثر وعيًا بالصراع والتناقض في هذه الخصائص؛ فالأخ الأكبر يكون أطول حين يقارن أخيه بأخيه الأصغر, ولكنه "أي: الأخ الأكبر" يكون أقصر حين يقارن بأبيه, فكيف يكون الشخص طويلًا وقصيرًا في نفس الوقت؟! إن الطفل يحل هذا التناقض الظاهري بالتعرف على أن بعض الخصائص لها خاصية نسبية، أي أنها لا تفهم إلّا في سياق خاص، أو في علاقتها بشيء آخر.
وهذا المستوى الذي يصل إليه الطفل لا يحل المشكلة المباشرة التي تواجهه، ولكنه يزوده باستراتيجية معرفية ضرورية لإدراك العالم من حوله من منظور أكثر اتساعًا وشمولًا وعمقًا.
وكما يفعل الصغار يفعل أيضًا الشباب والراشدون المبكرون، فهم يتعاملون مع العالم المحيط بهم من خلال المنظور الجدلي، والفرق بين الصغار والكبار هو المستوى الرفيع الذي تكون عليه هذه العملية في طور الرشد؛ فالتناقضات التي يوجهها الراشدون تكون أكثر حدوثًا على مستوى الأفكار المجردة, ولا تقتصر على المستوى العياني كما هو الحال عند الصغار.
وبهذا تكون حياة الراشد في جوهرها مجاهدة ومكابدة, مع تناقضات وصراعات كثيرة في حياته, تتصل بالأخلاق والسياسة والتربية والدين وفلسفة الحياة, ولعل هذا -والله أعلم- أحد ألوان الكَبَدِ الذي يعانيه الإنسان, والذي أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى:
اسم الکتاب : نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين المؤلف : آمال صادق الجزء : 1 صفحة : 369