اسم الکتاب : نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين المؤلف : آمال صادق الجزء : 1 صفحة : 114
الاتجاه نحو النماذج النظرية
مدخل
...
الاتجاه نحو النماذج النظرية:
هذان هما الاتجاهان الوصفيان الرئيسيان للنمو الإنساني، وقد سيطرا على الكتابات الأكاديمية والممارسات العملية للنمو لأكثر من نصف قرن, إلّا أن الميدان تحول في السنوات الأخيرة إلى الاهتمام بالنماذج النظرية التي تحاول الإجابة على السؤال الهام: كيف يحدث النمو؟ وهي إجابة تتجاوز مجرد وصف التحول في النشاط الإنساني خلال مسار النمو؛ لأن السؤال الكامل هو: كيف ينمو السلوك الإنساني في اتجاهٍ معينٍ أو نحو غاية محددة بدلًا من التوجه إلى اتجاهات أخرى محتملة؟ ثم كيف يصبح السلوك الإنساني مع هذا التوجه جيد التوافق مع العالم الداخلي للفرد, والعالم الخارجي للبيئة التي يعد الفرد النامي جزءًا منه؟
الإجابة على هذا السؤال الكامل لا تكون إلّا بنموذج نظري, والنموذج النظري هو مجموعة من المفاهيم والقضايا ترتبط فيما بينها، وتصف وتشرح جوانب معينة من الظواهر موضع البحث "وهي هنا ظواهر النمو الإنساني".
وحتى تصبح للنموذج النظري قدرة على الوصف والشرح والفهم والتفسير, لابد أن يعتمد على الحقائق والمعطيات الأكثر ارتباطًا وأهميةً في فهمنا للنمو، وتحديد طبيعة العلاقات بين هذه الحقائق والمعطيات, والتي تكون أكثر أهميةً في الوصول إلى هذا الفهم.
ويذكر توماس "Thomas, 1979" قائمة كبيرة مما يطلق عليه "نظريات النمو", ويشمل ذلك عنده المدارس الكبرى في علم النفس: السلوكية والجشطالت والتحليل النفسي الفرويدي، كما يشمل بعض المدارس الصغرى في التعلم؛ مثل: نموذج سكنر وباندورا وغيرهما، بالإضافة إلى النظريات التي تنتمي مباشرة إلى النمو, إلّا أن تناول نظريات النمو الإنساني على هذا النحو الواسع لا يقدم، في رأينا، فائدة تذكر في فهم النمو، وهو أقرب إلى التناول السيكولوجي العام. صحيح أن ظواهر النمو هي جزء من الميدان السيكولوجي العام إلّا أننا نلاحظ أن التنظير فيه يتجه إلى بناء "نماذج نظرية" ترتبط ارتباطًا وثيقًا بموضوعٍ محددٍ، وهو في هذا أشبه بالحال الذي عليه الموضوعات الأخرى؛ كالتعلم والإدراك والشخصية وغيرها.
وفي مجال النمو نجد ثلاثة نماذج رئيسية, تمثل في رأينا الوجهات الرئيسية في هذا الميدان, هي نماذج بياجيه وإريك إريكسون ولورنس كولبرج, ومن الملفت للنظر أن كل نموذج منها ركَّزَ اهتمامه على أحد جوانب النمو، فنموذج جان بياجيه تناول بالاهتمام النمو العقلي، ونموذج إريك إريكسون ركز على النمو الوجداني والانفعالي, وانشغل نموذج لورنس كولبرج بالنمو الخلقي "الاجتماعي".
صحيح أن كل نموذج من هذه النماذج الثلاثة يقبل الانتقال والتعميم إلى الجوانب الأخرى للنمو، وهذا ما فعله بياجيه حين مَدَّ آفاق نموذجه النظري إلى الجوانب غير المعرفية، إلّا أنه يبقى لكل نموذج طمعه الخاص ولونه المميز حين نتناوله في سياقه الأصلي الذي نشأ فيه، وهذا ما نخصص له ما بقي من هذا الفصل.
اسم الکتاب : نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين المؤلف : آمال صادق الجزء : 1 صفحة : 114