اسم الکتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية المؤلف : محمد محمود ربيع الجزء : 1 صفحة : 65
ومتى زاد العمران زادت الأعمال ثانية، ثم زاد الترف تابعا للكسب وزادت عوائده وحاجاته، واستنبطت الصنائع لتحصيلها، فزادت قيمها وتضاعف الكسب في المدينة لذلك ثانية.. وكذا في الزيادة الثانية والثالثة؛ لأن الأعمال الزائدة كلها تختص بالترف والغنى بخلاف الأعمال الأصلية التي تختص بالمعاش[1].
ولا يجب أن ننسي أن هذه النتائج التي توصل إليها ابن خلدون, والتي قد تبدو بديهية وواضحة الآن كتبت في القرن الرابع عشر أي: قبل أن يعيد آدم سميث دراسة ظاهرة تقسيم العمل بأربعة قرون. بل أكثر من ذلك, فقد بحث ابن خلدون ظاهرة التخصص, وأوضحت كتاباته أنه كان يفرق بين نوعين: تخصص فردي وتخصص إقليمي, وإن كان المجال يضيق هنا عن الإفاضة في هذا الموضوع إلا أننا سنشير بإيجاز إلى آرائه. فقد خصص فصلا في الباب الرابع في مقدمته تكلم عن اختصاص بعض الأمصار ببعض الصنائع دون بعض, شرح فيه كيف أن الصنائع تستجاد كلما كثر الطلب عليها. ولا يكثر الطلب عليها إلا إذا كانت تسد حاجة مباشرة وهامة بالنسبة لسكان المصر أي: تشبع حاجاتهم لاستهلاك سلعة معينة أو الاستفادة من خدمة لازمة لهم في معاشهم, وكل هذا مرتبط بالعمران المستبحر أي: المزدهر الذي تتفاوت صوره من بلد إلى آخر, وبالتالي تتفاوت حاجاته مما ينعكس على نوع الصنائع التي تختص بذلك البلد أو المصر. ويبدو فهم ابن خلدون لظاهرة التخصص الإقليمي هذه في قوله: "وبقدر ما تزيد عوائد الحضارة, وتستدعي أحوال الترف تحدث صنائع لذلك النوع, فتوجد بذلك المصر دون غيره. كذلك يظهر فهمه لظاهرة التخصص [1] المقدمة, طبعة وافي، صفحة 860.
CF.... "pius on se rapproche des types sociaux les plus eleves, plus la division du travail se deve loppe", ... Emile Durkheim, De la Division du Travail Social, paris 1893.
اسم الکتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية المؤلف : محمد محمود ربيع الجزء : 1 صفحة : 65