اسم الکتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية المؤلف : محمد محمود ربيع الجزء : 1 صفحة : 51
في أي شراب آخر, جزمنا بوجود التحريم فيه[1]. هناك إذًا نظام في الأشياء, واطراد في وقوع الأحداث.
أقام المسلمون القياس الأصولي على القانونين اللذين أقام عليهما جون ستيوارت ميل استقراءه العلي العلمي في القرن التاسع عشر، فإذا كان الاستقراء يستطيع أن يصل إلى العلاقات الثابتة الكلية؛ فذلك لأنه يستند إلى أن حوادث الطبيعة متناسقة أو مطردة. والاستقراء عند ميل هو أن تستنتج من عدة حالات معينة لظاهرة من الظواهر أن هذه الظاهرة تحدث في كل حالة تشبه هذه الحالة, أو الحالات المعينة في ناحية من النواحي. فهو يقوم على الجزم بوجود النظام في العالم, ويعبر عن هذا بأن "هناك أشياء في الطبيعة إذا ما حدثت مرة, فلا بد من أن تحدث ثانية إذا ما تحققت لها درجة كافية من المشابهة في الظواهر"[2].
يتبين من هذا أن الرأي المتقدم الذي عبر عنه المسلمون -قبل ميل- من إقامة الاستقراء على قانوني التعليل والاطراد في وقوع الأحداث، ثم استناد قياسهم الأصولي على هذين القانونين يجعله مناقضا للتمثيل الأرسطي، ومن ثَمَّ مناقضا للمنطق الأرسطي نفسه.
تزخر كتابات مفكري الإسلام في العلوم الطبيعية والاجتماعية بأدلة عديدة على تقدم منهج البحث الإسلامي. ففي مجال العلوم الطبيعية والرياضية شرح الحسن بن الهيثم مفهومه للاستقراء في رسالته عن الضوء بقوله: "ونبتدئ في البحث باستقراء الموجودات، وتصفح أحوال المبصرات, وتمييز خواصّ الجزئيات"[3]. [1] نفس المرجع السابق. [2] علي سامي النشار، مناهج البحث عند مفكري الإسلام، مرجع سابق، ص86. [3] جلال محمد موسى, منهج البحث العلمي عند العرب "في مجال العلوم الطبيعية والكونية"، بيروت 1972، ص272، 275.
اسم الکتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية المؤلف : محمد محمود ربيع الجزء : 1 صفحة : 51