اسم الکتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية المؤلف : محمد محمود ربيع الجزء : 1 صفحة : 220
على إشباع حاجات مادية جديدة, وحياة مرفهة تتناسب مع ما وصل إليه صاحب ذلك الفكر من تطور.
من الأمثلة الأخرى التي يمكن أن تعزز ذلك الفرض وضع العصبية في كل من مجتمعي البداوة والحضارة. ففي مجتمع البداوة نلاحظ أن طبيعة الحياة الخشنة, وشظف العيش يطبع العصبية بعدة صفات أهمها أنها قوة موحدة, كلها نشاط وحيوية, وقادرة على الدفاع عن الجماعة والسعي من أجل تحقيق أهدافها ضد العصبيات الأخرى والقضاء على الخلافات الداخلية بين أفرادها، والعمل كأداة من أجل دفع عجلة التطور نحو شكل أرقى من أشكال الحياة المادية.
وبينما تعتبر العصبية بهيكلها القوي, وخصائصها التي تتسم بالحيوية, ودورها الكبير في إحداث التغييرات, نتيجة مترتبة على هذا النوع من الحياة الصعبة في ظل البداوة، فإن العصبية نفسها وعندما تتهيأ الظروف الموضوعية تلعب دور السبب أو الوسيلة, وتصبح أداة للتغيير, وذلك بالقضاء على نفس هذه الظروف التي خلقتها عندما تقوم الجماعة بفضل عصبيتها بالقضاء على دولة ضعيفة مجاورة, وإقامة حكم جديد محلها يتخلى عن الحياة البدوية وينتقل إلى الحياة الحضرية. ثم تحدث سلسلة أخرى من ردود الأفعال في ظل الحضارة وهكذا ... [1].
هذا, ويجب التحذير بأن المقصود ليس الاستغراق في فوضى شاملة يتعذر معها التمييز بين الوسائل والأهداف أو الأسباب والنتائج، وإنما المقصود هو معرفة أنه وإن كانت طبيعة التحليل والدراسة تقتضي الوضوح ومعالجة كل شيء في موضعه منعا للبس, فإنه في ظل الواقع يحدث إحلال وانتقال بينها بشكل دائم. [1] المرجع السابق، ص231، ابن خلدون، المقدمة، ص422، 423، 453، 454، 480، 481,
M. M. Rabie, The Political Theory of lbn Khaldun, op. cit, p. 52.
اسم الکتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية المؤلف : محمد محمود ربيع الجزء : 1 صفحة : 220