اسم الکتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية المؤلف : محمد محمود ربيع الجزء : 1 صفحة : 15
ما دون حقيقة أخرى، أو شكل تنظيمي معين دون شكل آخر، أو منهج بحث دون منهج آخر. قد تكون عملية الانتقاء عشوائية, ولكنها في الأغلب الأعم ليست كذلك, وإنما تحكمها معايير وقيم يأخذ بها كل عالم, أو باحث[1].
هكذا تتضح أهمية تزويد المثقف بمعرفة أوثق بمناهج البحث؛ ليتسنى له اختيار أنسبها لدراسته, ومساعدته على التحلي بأكبر قدر ممكن من الموضوعية في تحديد موقفه من الفلسفات, والأيديولوجيات المتصارعة في عالم اليوم.
إلا أنه, وإن كان التقيد بالحياد واجبا في عرض تلك المناهج, فإن الأمانة والالتزام العلمي بالبحث عن الحقيقة يحتمان عدم الوقوف موقفا سلبيا من التيارات الفلسفية والمنطقية, قديمها وحديثها التي يتراوح قصورها بين العجز عن اللحاق بتطورات العصر العلمية والاجتماعية, وبين التضليل الجزئي أو الكامل للباحث؛ لحرفه عن الإدراك السليم لحقيقة المشكلة الأساسية في الفلسفة, وهي علاقة الفكر بالواقع وعن فهم طبيعة الاتجاهات المتصارعة سواء في مجال العلم, أو المجتمع.
فمثلا، يزداد باستمرار تبلور الخلافات بين الأيديولوجية الماركسية, والليبرالية كتعبير عن الصراع المحتدم بين النظامين الرئيسيين في عصرنا, وهما الاشتراكية والرأسمالية مما دفع كافة التيارات الفلسفية والمنطقية إلى تحديد مواقفها من ذلك الصراع بشكل صريح, أو ملتوٍ.
ليس معنى ذلك أن الفلسفة والمنطق كانا محايدين قبل ظهور هاتين الأيديولوجيتين, بل على العكس من ذلك تماما كانا يعبران بوجه عام عن قوى اجتماعية رجعية أو صاعدة. مثال ذلك: أنه رغم التراث الكبير الذي خلّفه كل من أفلاطون وأرسطو, فإن كتاباتهما كانت تعبيرا عن حقبة تاريخية معينة [1] Vernon Van Dyke, political Science "A Philosophical Analysis", London 1960, pp. 3, 4, hereunder referred to as Dyke.
اسم الکتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية المؤلف : محمد محمود ربيع الجزء : 1 صفحة : 15