اسم الکتاب : معيار العلم في فن المنطق المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 192
ومن مارس العلوم يحصل لهمن هذا الجنس على طريق الحدس والإعتبار قضايا كثيرة لا يمكنه إقامة البرهان عليها، ولا يمكنه أن يشك فيها، ولا يمكنه أن يشرك فيها غيره بالتعليم، إلا أن يدل الطالب على الطريق الذي سلكه واستنهجه، حتى إذا تولى السلوك بنفسه أفضاه ذلك السلوك إلى ذلك الإعتقاد وإن كان ذهنه في القوة والصفاء على رتبة الكمال.
ولمثل هذا لا يمكن افحام كل مجادل بكلام مسكت، فلا ينبغي أن تطمع في القدرة على المجادلة في كل حق، فمن الإعتقادات اليقينية ما لا نقدر على تعريفه غيرنا بطريق البرهان إلا إذا شاركنا في ممارسته ليشاركنا في العلوم المستفادة منه، وفي مثل هذا المقام يقال: من لم يذق لم يعرف، ومن لم يصل لم يدرك.
الصنف الرابع
القضايا التي عرفت لا بفنسها بل بوسط ولكن لا يعزب عن الذهن أوساطها، بل مهما احضر جزئي المطلوب حضر التصديق به لحضور الوسط معه كقولنا: الإثنان ثلث الستة، فإن هذا معلوم بوسط وهو أن كل منقسم ثلاثة أقسام متساوية، فأحد الأقسام ثلث والستة تنقسم بالإثنينات ثلاثة أقسام متساوية، فالإثنان إذن ثلث الستة، ولكن هذا الوسط لا يعزب عن الذهن لمقلة هذا العدد وتعود الإنسان التأمل فيه، حتى لو قيل لك: الإثنان والعشرون هي هي ثلث ستة وستين؟ لم تبادر إليه مبادرتك إلى الحكم بأن الإثنين ثلث الستة، بل ربما افتقرت نإلى أن تقسم الستة والستين على ثلاثة،
اسم الکتاب : معيار العلم في فن المنطق المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 192