اسم الکتاب : تهافت الفلاسفة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 268
كونه قائماً بالبدن فإن استثناء عين التالي لا ينتج فإنا نقول: إن كانت القوة العقلية قائمة بالبدن فيضعفها ضعف البدن بكل حال والتالي محال فالمقدم محال. وإذا قلنا: التالي موجود في بعض الأحوال، فلا يلزم أن يكون المقدم موجوداً.
ولهذا الأمر مدلول
ثم السبب فيه أن النفس لها فعل بذاتها إذا لم يعق عائق ولم يشغلها شاغل، فإن للنفس فعلين: فعل بالقياس إلى البدن وهو السياسة له وتدبيره وفعل بالقياس إلى مبادئه وإلى ذاته وهو إدراك المعقولات، وهما متمانعان متعاندان فمهما اشتغل بأحدهما انصرف عن الآخر وتعذر عليه الجمع بين الأمرين. وشواغله من جهة البدن الإحساس والتخيل والشهوات والغضب والخوف والغم والوجع، فإذا أخذت تفكر في معقول تعطل عليك كل هذه الأشياء الأخر. بل مجرد الحس قد يمنع من إدراك العقل ونظره من غير أن يصيب آلة العقل شيء أو يصيب ذاتها آفة، والسبب في كل ذلك اشتغال النفس بفعل عن فعل ولذلك يتعطل نظر العقل عند الوجع والمرض والخوف فإنه أيضاً مرض في الدماغ. وكيف يستبعد التمانع في اختلاف جهتي فعل النفس؟ وتعدد الجهة الواحدة قد يوجب التمانع فإن الفرق يذهل عن الوجع والشهوة عن الغضب والنظر في معقول عن معقول آخر.
إذا عاد المريض صحيحاً عاد العلم من غير استئناف تعلم
وآية أن المرض الحال في البدن ليس يتعرض لمحل العلوم، أنه إذا عاد صحيحاً لم يفتقر إلى تعلم العلوم من رأس بل تعود هيئة نفسه كما كانت وتعود تلك العلوم بعينها من غير استئناف تعلم.
اسم الکتاب : تهافت الفلاسفة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 268