اسم الکتاب : تهافت الفلاسفة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 196
مسألة في تعجيزهم عن إقامة الدليل على أن للعالم صانعاً وعلة قولنا ما المانع أن يقال عن الجسم القديم أنه بغير علة؟
فنقول: من ذهب إلى أن كل جسم فهو حادث لأنه لا يخلوا عن الحوادث عقل مذهبهم في قولهم: إنه يفتقر إلى صانع وعلة. وأما أنتم فما الذي يمنعكم من مذهب الدهرية وهو أن العالم قديم؟ كذلك ولا علة له ولا صانع وإنما العلة للحوادث وليس يحدث في العالم جسم ولا ينعدم جسم وإنما تحدث الصور والأعراض، فإن الأجسام هي السموات وهي قديمة والعناصر الأربعة التي هي حشو فلك القمر وأجسامها وموادها قديمة وإنما تتبدل عليها الصور بالامتزاجات والاستحالات وتحدث النفوس الإنسانية والنباتية، وهذه الحوادث تنتهي عللها إلى الحركة الدورية والحركة الدورية قديمة ومصدرها نفس قديمة للفلك، فإذن لا علة للعالم ولا صانع لأجسامه بل هو كما هو عليه لم يزل قديماً كذلك بلا علة أعني الأجسام. فما معنى قولهم إن هذه الأجسام وجودها بعلة وهي قديمة؟
قولهم لا يكون واجب الوجود وهو محال
فإن قيل: كل ما لا علة له فهو واجب الوجود وقد ذكرنا من صفات واجب الوجود ما تبين به أن الجسم لا يكون واجب الوجود.
قولنا بل ينقطع تسلسل العلل
قلنا: وقد بينا فساد ما ادعيتموه من صفات واجب الوجود وأن البرهان لا يدل إلا على قطع السلسلة، وقد انقطع عند الدهري في أول الأمر إذ يقول: لا علة للأجسام وأما الصور والأعراض فبعضها علة للبعض إلى أن تنتهي إلى الحركة الدورية وهي بعضها سبب للبعض، كما هو مذهب
اسم الکتاب : تهافت الفلاسفة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 196