responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تلخيص الخطابة المؤلف : ابن رشد الحفيد    الجزء : 1  صفحة : 83
فأَما الخلق الذي يخص سياسة سياسة من السياسات الأَربع التي عددت فيما سلف فقد ذكرت في باب المشوريات. وينبغي أَن تكون عندنا هاهنا معدة لنستعملها في الأَقاويل الخلقية. فإِن هنالك إِنما ذكرت لتعمل منها الضمائر في الأُمور الثلاثة. وإِذ قد تقرر هذا وكان قد تبينت الأَشياءُ التي منها تعمل الضمائر والتصديقات في الأُمور الثلاثة، أَعني المشاورية والمنافرية والمشاجرية، فالأَشياءُ التي منها تعمل الأَقاويل الخلقية والانفعالية، فقد ينبغي أَن نصير إِلى تبيين المقدمات المشتركة التي في الأَجناس الثلاثة أَعني في المشاورية والمنافرية والمشاجرية. والأُمور المشتركة التي يطلب تثبيتها في الأَجناس الثلاثة بالمقدمات المشتركة أَرْبعة أَصناف: الأَول: هل الأَمر ممكن أَو غير ممكن.
والثاني: هل الأَمر مما سيكون ولا بد أَو لا يكون. والفرق بين هذا والممكن أَن المقدمات المستعملة في الممكن إِنما تستعمل بلفظ الممكن وعلى أَنه ليس لأَحد الممكنين فضل على الآخر في الوجود. وأَما المقدمات المستعملة في أَن الشيءَ كائن في المستقبل فإِنما نستعملها في صورة ما هو كائن لا محالة، وإِن كنا لا نتيقن ذلك، لكن إِنما نستعملها في هذه الصناعة بهذه الجهة.
والثالث: هل الأَمر قد كان في الماضي أَو لم يكن. وما يستعمل من هذا في هذه الصناعة فإِنما يستعمل في صورة ما قد علم كونه بالتجربة والحس، وإِن كنا لا نتحقق ذلك.
والرابع: تعظيم الشيء وتصغيره وتفخيمه وتخسيسه، فإِن هذا أَمرٌ عام مستعمل في الأَجناس الثلاثة. فإِنه إِذا أُشير بالشيءِ أَن يفعله عُظّم، وإِذا أُشير بالترك صُغّر. وكذلك يفعلون إِذا مدحوا أَو ذموا أَو شكوا أَو اعتذروا. فإِذا تم القول في هذه، قلنا بعد ذلك في مواد أَصناف الضمائر وأَصناف المثال، وأَضفنا إِلى ذلك المواضع المشتركة للأَقاويل الخطبية وغيرها، فإِنا نكون قد أَتينا على الغرض المقصود من هذه الصناعة. فإِنه إِنما تكلم في المقالة الأُولى في الضمائر من جهة تأليفها لا من جهة موادها. وهي من جهة تأليفها ممكن أَن تستعمل في الخطابة وغيرها. وإِنما هي خاصة بالخطابة من جهة موادها.
فنقول: إِنه وإِن كانت هذه الأَربعة المطالب مشتركة للأَجناس الثلاثة، فإِن بعضها أَخص ببعض وأَولى أَن تنسب إِلى بَعْضٍ. وذلك أَن التعظيم والتصغير أَخص بالمنافرية التي هي المدح والذم، وأَن الذي قد كان أخص بالخصومات وكذلك الذي يستعمل كالكائن؛ فإِن الحكومة إِنما تكون في أَمثال هذه الأَشياء، وأَن الممكن والذي يتوقع كونه أَخص بالمشورية.
وإِذ قد تقرر هذا، فلنقل في المقدمات التي يقنع بها أَن الأَمر ممكن أَو غير ممكن، ونعني بالممكن وغير الممكن هاهنا ما هو مقدور لنا ومستطاع عليه مما هو غير مقدور ولا مستطاع عليه، لا الممكن الذي هو في طبائع الأُمور ممكن، لكن الذي بحسب الإِرادة والاستطاعة. فمنها: إِن كان الشيءُ له ضد، وكان ضده ممكنا أَن يكون أَو أَن يفعل، فإِن الشيءَ ممكن أَيضا أَن يفعل؛ مثل إِن كان الإِنسان يمكن أَن يصح، فقد يمكن أَيضا أَن يسقم. والعلة في ذلك أَن القوة والإِمكان للمتضادين واحد.
ومقدمة ثانية: إِن كان الشبيه ممكنا، فالذي يشبهه أَيضا ممكن.
وثالثة: إِن كان الذي هو أَصعب ممكنا، فالذي هو أَيسر ممكن. وإِن كان الأَمر الذي هو أَفضل وأَحسن ممكنا، فذلك الأَمر - إِذا قيل بإِطلاق - ممكن، أَعني من غير هذا الشرط. فإِن إِجادة تكوين البيت أَصعب من تكوين البيت فقط.
ورابعة: إِن كان الذي بدؤه ممكن، فآخره وتمامه ممكن. والإِقناع في هذا الموضع أَن نقول: لما كان ما لا يمكن كونه مبدئه، فما يمكن كون مبدئه، يمكن كونه. وقد بين اختلال هذا الموضع في الثانية من الجدل.
وخامسة: وهي ما كان تمامه ممكنا، فمبدؤه ممكن؛ وهو عكس ما قبله.

اسم الکتاب : تلخيص الخطابة المؤلف : ابن رشد الحفيد    الجزء : 1  صفحة : 83
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست