اسم الکتاب : تلخيص الخطابة المؤلف : ابن رشد الحفيد الجزء : 1 صفحة : 125
قال: وأَما الأَقاويل الخصومية فيجب أَن يكون الإِقناع فيها أَشد تحقيقا وتصحيحا، ولا سيما إِن كان القول عند حاكم واحد، فإِن عمل الإِقناع يكون أَيسر، لأَنه ليس يحتاج أَن يتكلف فيه من الاستعارات والتغييرات ما يتكلف في الكلام الذي يكون عند الجماعة. وإِذا كان الإِقناع خليا من الأَشياءِ خارجة كان أَقرب أَن يتميز فيه الحق من غيره، وأَن يكون الأَمر الذي يتكلم فيه هاهنا أَهليا غير غريب، أَي معروفا غير منكر. وأَيضا فإِنه إِذا استعملت في الأَقاويل الخصومية الأَشياء الخارجة، بَعُدَ الشاكي عن غرضه. فلذلك ما ينبغي أَن تكون أَقاويل الخصوم أَقرب إِلى الحقيقة منها إِلى التضليل. وإِنما ينجح فعل الخطيب بالتغيير اللفظي حيث يكون الأَخذ بالوجوه والنفاق أَنفع من غيره، وذلك عند الخطب على الملإِ والجمع الكثير، لأَنه ليس يطلب في مثل هذه الأَقاويل الصحة، كما يطلب عند الحكم الخاص.
قال: فأَما الخطب المرئية،. يعني المكتوبة، فمنها الرسائل، ومنها التي تكتب عند الخصومات التي تكون بين أَيدي القضاة وهي التي تسمى عندنا العقود والسجلات. فأَما الرسائل فالذي تختص به هو إِجادة القراءة، أَعني أَن تكون قراءتها سهلة جيدة. وأَما التي تكون عند الخصومات فينبغي أَن تكون خلية من التغيير والاستعارة البعيدة التي تجعل الكلام معتاص الفهم أَو مختلا، إِلا أَن يكون يشتمل على ذكر أَمر مُهمٍ من خلق أَو عهدٍ أَو إِلزام سنة، فينبغي حينئذ أَن يفخم الكلام ويعظم ويزين مثل السجلات التي تسمى عندنا البيعات. وأَما المكتوبة في الخصومات فينبغي أَن تكون محققة بعيدة مما يحقرها أَو يخسسها. فإِن السجلات أَشرف من الرسائل. لكن تكون جميلة بهية. وإِن كان فيها إِضمارات كثيرة فليست محققة. وكذلك يجب أَلا تكون موجزة كل الإِيجاز، فإِنها تكون غبر معلومة بل يجب أَن تكون متوسطة، لأَن المتوسط أَبدا مشاكل مناسب.
قال: وقد يجب أَيضا أَلا تكون عَريا لا من التفصيل ولا من التغيير، لكن يستعمل من ذلك ما هو أَقرب إِلى الشهرة والتحقيق منه إِلى الغرابة والجهل، وتكون المقنعات التي فيها مؤلفة من الأُمور الجميلة المحمودة التي ذكرت فيما سلف.
قال: أَما في الأَلفاظ الخطبية وفي المعاني فقد قلنا في ذلك ما فيه كفاية، وهو أَمر عام لجميع أَجزاء الخطبة. والذي يعني القول فيه هو أَجزاءُ الخطب ونظامها.
القول في أَجزاء الخطب
قال: وأَجزاءُ القول الخطبي الضرورية إِثنان: أَحدهما الغرض وهو الأَمر الذي يقصد إِليه بالتكلم، فإِنه من الاضطرار أَن يذكر الشيء الذي فيه القول ليعلم الشيء الذي يتوجه إِليه الإِثبات أَو النفي؛ والآخر التصديق، وهو القول المثبت أَو النافي.
قال: وأَما الجزءُ الذي يسمى الاقتصاص الواقع في الخطب فهو خاص بالكلام الخصومي. أَما الكلام المنافري والمشاوري فليس يستعمل فيه الاقتصاص، لأَن الاقتصاص إِنما يستعمل فيما يلقي به الخصم، لا بالكلام البراني، أَعني الموجه نحو السامعين.
قال: وأَما الجزءُ الذي يسمى الصدر، والجزءُ الذي يسمى الخاتمة فأَكثر الحاجة إِليهما في الجزء المشاوري، لأَنه يقوم مقام تمثيل الشيء الذي فيه يتكلم وتحديده أَولاً والتذكرة به آخراً، فيتحصل به الغرض الذي يتكلم فيه تحصيلا جيدا. وذلك شيءٌ يحتاج إِليه في الكلام في هذا الجنس ليقايس بين الحجج المثبتة له والمبطلة ولئلا يذهب المعنى أَيضا لكثرة تكرر القول وتشعبه. وقد يحتاج إِلى الصدر في الكلام الخصومي، إِذا كان متشعبا يخاف أَلا ينضبط فيه الغرض. وأَما إِذا كان الكلام قصيرا، فليس يحتاج إِليه. وكذلك لا يحتاج إِليه في الأَقل في المشوريات، أَو يكفي منه اليسير.
قال: وإِذا كان الأَمر في هذه الأَجزاء كما وصفنا فالأَجزاء الاضطرارية هما إِثنان: الغرض المقصود له، والتصديق. وجميع ما يلقى به الخصم فهو من التصديقات.
قال: والخاتمة أَيضا تكثر في الخطب، لأَنها جزءٌ من أَجزاءِ التصديق، إِذ كانوا يخبرون فيها بالشيء الذي فيه القول بإِجمال وبالشيء المقول فيه ليس لأَن يثبتوا ذلك وليقولوا فيه قولا، بل على جهة التذكير بما قد تقدم فيه فقيل.
اسم الکتاب : تلخيص الخطابة المؤلف : ابن رشد الحفيد الجزء : 1 صفحة : 125