اسم الکتاب : تلخيص الخطابة المؤلف : ابن رشد الحفيد الجزء : 1 صفحة : 101
فأَما تكبير الشيء وتصغيره وإِن كان قد يلزم عنهما اطراح الشيء واكتسابه، فإِنهما ليسا من أَنواع الضمائر المبطلة والمثبتة. وإِن كان التعظيم والتخسيس إِنما يكونان عن ضمائر، لكن أَن يقبل الشيءَ ويصدق به من نفس التعظيم أَو يطرح ويكذب به من نفس التخسيس ليس إِثباتا له ولا إِبطالا بالذات ولا هو من أَنواع الضمائر. وأَيضا فليس كل ما يكون به الإِبطال يكون ضميرا. وذلك أَن الإِبطال صنفان: إِما إِبطال لشكل القياس، وإِما إِبطال للقضايا المنسوبة إِلى القياس. وهذا أَيضا صنفان: إِما إِبطال للنتيجة نفسها بأَن ينتج مقابلها، وإِما إِبطال لمقدماتها المنتجة لها. فأَما إِبطال القضايا سواء كانت نتائج أَو مقدمات، فإِنه يكون بالضمائر وهي تأتلف من المواد الخاصة بهذه الصناعة. والمثبت هاهنا والمبطل يستعملان جنسا واحدا من أَجناس القياس. وإِما إِبطال أَشكال المقاييس في هذه الصناعة وغيرها فإِنما يكون بالمقاييس المنطقية، أَعني التي تؤلف من مواد منطقية. فإِن في كل صناعة صنفين من القياس: قياس مؤلف من المواد الخاصة بتلك الصناعة، وقياس مؤلف من مواد صنائع أُخر. وكلا الصنفين مستعمل في كل صناعة. وإِبطال تأليف القياس في أَي صناعة كانت يكون ضرورة بقياس معمول من مواد منطقية، إِذ كان تصحيح المقاييس وإِبطالها إِنما يكون بصناعة المنطق.
وهنا انقضى تلخيص هذه المقالة.
بسم الله الرحمن الرحيم المقالة الثالثة
من كتاب الخطابة
قال: إِن الأَشياءَ التي ينبغي لصاحب صناعة المنطق أَن يتكلم فيها في هذه الصناعة، إِذا كان مزمعا أَن يكون كلامه فيها على المجرى الصناعي، ثلاثة أُمور: أَحدها الإِخبار عن جميع المعاني والأَشياء التي يقع بها الإِقناع.
والثاني الإِخبار عن الأَلفاظ التي يعبر بها عن تلك المعاني وما يستعمل معها مما يجري مجراها.
والثالث كم أَجزاءُ القول الخطبي وكيف ينبغي أَن يكون ترتيبها ومماذا يأتلف كل جزء منها من الأَلفاظ والمعاني.
فأَما المعاني الفاعلة للتصديق فقد قيل فيها في المقالتين المتقدمتين وبين فيها على كم وجه تكون، ومن أَجل أَي شيء تكون. فإِنه قيل هنالك أَنها ثلاثة أَنواع: النوع الأَول: الأَقاويل الانفعالية والخلقية التي يقصد بها توطئة الحكام وإِعدادهم لقبول ما يراد منهم من التصديق بالشيء الذي فيه الإِقناع.
والنوع الثاني: الأَقوال التي يقصد بها إِثبات الفضيلة للمتكلم ليكون قوله أَقنع عند الحاكم والمناظر.
والنوع الثالث: الأَقاويل المستعملة أَولا في وقوع الإِقناع بالشيءِ المقصود إِيجاد الإِقناع فيه، وهي صنفا الأَقاويل القياسية المستعملة في هذه الصناعة أَعني الضمائر والمثل.
ولم يقتصر فيما سلف على تعريف أَصناف هذه الأَقاويل فقط، بل وعرف مع هذا الوضع التي منها تستنبط هذه الأَقاويل، وإِن هذه المواضع منها كلية تعم الضمائر المستعملة في الأَغراض الثلاثة من أَغراض الخطابة، ومنها جزئية تخص غرضا غرضا منها. وقيل هنالك إِن الأُمور الجزئيات التي من أَجلها تؤلف هذه الأَقاويل هي ثلاثة: إِما المشورية، وإِما المنافرية، وإِما المشاجرية.
والذي بقي هاهنا هو القول في الجزءين الباقيين. وذلك أَنه لما كان ليس بأَي معان اتفقت يقع الإِقناع، ولا بأَي أَحوال اتفقت أَن تستعمل تلك المعاني، بل بمعان مخصوصة، كانت الأَلفاظ أَيضا التي يعبر بها عن تلك المعاني شأنها هذا الشأن، أَعني أَن الإِجادة في العبارة عنها تكون بأَلفاظ مخصوصة مأخوذة بأَحوال مخصوصة في غرض غرض من أَغراض الأَقاويل الخطبية، وهو الذي يعبر عنه الجمهور باسم الفصاحة. فإِن هذا الاسم يطلق عندهم على أَحوال ثلاثة في الأَلفاظ: أَحدها وهو الأَملك بهذا المعنى أَن تكون الأَلفاظ جيدة الإِفهام والإِبانة للمعاني.
والثاني أَن تكون لذيذة المسموع.
والثالث أَن يعطى في المعنى رفعة أَو خسة.
اسم الکتاب : تلخيص الخطابة المؤلف : ابن رشد الحفيد الجزء : 1 صفحة : 101