اسم الکتاب : تعطير الأنام في تعبير المنام المؤلف : النابلسي، عبد الغني الجزء : 1 صفحة : 379
المتناول منه ولم أزد على ما نقلته من هذه الكتب شيئاً إلا بعض علاوات وقعت لنا وبعض تأويل نبهت عليه أنه من كلامنا في موضع أو موضعين وباقي الكلام كله محرر من هذه الكتب المذكورة فمن راجعها وجد هذه التأويلات كلها هناك مسطورة حتى جميع ما ذكرناه في المقدمة ما عدا البحث في رؤيا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك جميع ما سنذكره في هذه الخاتمة من تلك الكتب أيضاً قالوا وإن تعبير الرؤيا بالغداوت بعد طلوع الفجر وقيل طلوع الشمس أحسن لحضور فهم المعبرين وتذكر الرائي لتلك الرؤيا من غير نسيان وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم بارك لأمتي في بكورها".
والعبارة للمنام قياس واعتبار وتشبيه وظن لا يقطع بها ولا يحلف على غيبها إلا أن يظهر صدقها أو يرى سرها بها والتأويل بالمعنى أو باشتقاق الأسماء والعابر لا ينبغي له أن يستعين على عبارته بزجر في اليقظة يزجره ولا يقال عند ذلك بسمعه ولا بحساب من حساب المنجمين يحسبه ويحتاج العابر إلى اعتبار القرآن وأمثاله ومعانيه والأحاديث كذلك واعتبار الأشعار والأمثال واشتقاق اللغة ومعانيها ويحتاج المعبر إلى صلاح حاله وشأنه وطعامه وشرابه وإخلاصه في أعماله ليرث بذلك حسن التوسم في الناس عند التعبير لمناماتهم والرؤيا الصادقة قسمان قسم مفسر ظاهر لا يحتاج إلى تعبير ولا يفتقر إلى تفسير وقسم مكنى مضمر تودع فيه الحكمة والأنباء في جواهر مرئياته وأصدق الأوقات في الرؤيا وقت انعقاد الأزهار ووقت ينع الثمار وإدراكها وأضعفها في الشتاء ورؤيا النهار أقوى من رؤيا الليل وقد تتغير الرؤيا باختلاف هيئات الناس وصنائعهم وأقدارهم وأديانهم فتكون لواحد رحمة وعلى آخر عذاب وينبغي للمعبر التثبت فيما يرد عليه وترك التعنيف ولا يأنف أن يقول لما أشكل عليه لا أعرفه وقد كان محمد بن سيرين رحمه الله تعالى إمام الناس في هذا الفن وكان ما يمسك عنه أكثر مما يفسر حتى كان إذا سئل عن الرؤيا ربما يعبر من الأربعين واحدة وقد تنصرف الرؤيا عن أصلها من الشر بكلام الخير والبر وعن أصلها من الخير بكلام الرفث والشر وإن كانت الرؤيا تدل على فاحشة وقبيح سترت ذلك وواريت عنه بأحسن ما تقدر من اللفظ وأسررته إلى صاحبها
وأصدق الرؤيا رؤيا ملك أو مملوك وقد يكون الإنسان صدوقاً في حديثه فتصدق رؤيته وقد يكون كذاباً ويحب الكذب فتكذب عليه رؤيته أو يكون كذاباً يكره الكذب من غيره فتصدق رؤيته ولا يعجل المعبر بتفسير الرؤيا يعرف وجهها ومخرجها وقدرها ويسأل صاحبها عن نفسه وحاله وقومه وصناعته ومعيشته ولا يدع شيئاً مما يستدل به على علم مسألته إلا فعله فإن لم يصح ذلك له فليجتهد فيها برأيه وقد نقل عن ابن سيرين رحمه الله تعالى أنه كان إذا وردت عليه مسألة رؤيا مكث فيها ملياً من النهار يسأل صاحبها عن نفسه وحاله وصناعته وعن قومه ومعيشته ولا ينبغي لصاحب الرؤيا أن يقص رؤياه على حاسد لأن يعقوب عليه الصلاة والسلام قال ليوسف عليه السلام {لا تقصص رؤياك على أخوتك فيكيدوا لك كيداً} . الآية ولا يقصها على جاهل ولا يقصها إلا سراً ولا يقصها على صبي ولا على امرأة والضمير في الرؤيا أقوى من النظر فإنه يؤخذ بالغالب في الضمير ويبني عليه كمن رأى في منامه ضفدعاً ويكون في ضميره أنه حية أو رأى حية في ضميره أنه ضفدع فإنه يؤخذ بالضمير ويترك النظر وتتغاير رؤيا المؤمن والكافر والمستور والفاسق فإن المستور إذا رأى في منامه أنه يأكل عسلاً فإن تأويله حلاوة القرآن والذكر في قلبه وهو للكافر حلاوة الدنيا وغنيمتها والرؤيا معلقة متوقفة على تأويلها فمتى أولت وقعت لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا على جناح طائر فحيث قصت وقعت". وتعبير الرؤيا لا يكون إلا بعد معرفة الأصول مثل أن يعرف أن القمح والشعير والتبن والدقيق والعسل واللبن والصوف والحديد والملح والتراب ونحو ذلك أموال وإن الفرس والأسد والذئب والجبل والشجر والطير والوحش ونحو ذلك رجال وإن السرج والأكاف والسراويل وإناث الطير والبهائم ونحو ذلك نساء وإن النمارق والوسائد والأباريق والطسوت ونحو ذلك خدم وعبيد وقدر كل واحد منها على قدر صنف في صنفه وإن كان ابتداء يراه الإنسان دون انتهاء فإن الأمر الذي هو طالبه لا يبلغ آخره وإن كان نزول من مركب فإنه نزول من حال كان عليه
(وقد ضمن الحسن بن الحسين الخلال رحمه الله تعالى) كتابه المسمى بطبقات المعبرين ذكر أسماء سبعة آلاف وخمسمائة معبر ثم تخير منهم ستمائة رجل ونطق بأسمائهم في كتابه في تعبير الرؤيا وذكرهم يطول فوق الاقتصار منهم في ذكر مائة رجل مشاهيرهم الذين قصدوا وضربوا في العلم بسهم وأخذوا منه بقسم وهم على خمس عشرة طبقة
اسم الکتاب : تعطير الأنام في تعبير المنام المؤلف : النابلسي، عبد الغني الجزء : 1 صفحة : 379