اسم الکتاب : تاريخ الفلسفة الحديثة المؤلف : يوسف مكرم الجزء : 1 صفحة : 422
ط- والإله الذي نقبل منه المدد والعزاء ليس إلهًا مفارقًا ولا إلهًا متحدًا بالعالم. إن الإله المفارق الكامل الثابت لا يدخل في علاقة مع الإنسان؛ وإذا بدت الأحادية مقربة بين الله والإنسان فليس الأمر كذلك في الحقيقة، إذ إنها تميز بين الله بما هو لامتناهٍ والله بما هو صانع الطبيعة، أي: بين الوحدة الميتافيزيقية للوجود وكثرة الموجودات المتناهية؛ يضاف إلى ذلك أنها تعتبر هذه الموجودات مجرد ظواهر لا حقيقة لها في أنفسها, بينما تدلنا التجربة على أنها حقيقة وأنها متصلة بحياة عليا. إنما الإله الذي يحتاجه كل منا، فيتصوره البعض معزيا مقويا، والبعض منذرا معاقبا, تبعا لحالتهم وحاجتهم، فهو إله متناهٍ نحن أجزاء منه باطنة، وهو نفسه جزء من العالم، وبين كماله الخلقي ونقصنا درجات من الكمال متمثلة في أرواح أخرى. وفي القول بإله متناه تفسير يسير لإمكان الشر، وحافز لميل الحرية نحو الخير كي نعاون الله على تحقيق مصائر الكون. أما صفاته فيجب أن نغفل الصفات النظرية المعروفة من وجود بالذات وروحانية وبساطة وما أشببها؛ لأنها عديمة الفائدة ومن ثمة عديمة المعنى؛ وأن نقتصر على الصفات الخلقية بسبب فائدتها، مثل القداسة والعدالة والعلم فإنها تبعث فينا الخوف، ومثل القدرة والخيرية فإنهما تبعثان فينا الرجاء.
ي- هذا المذهب يثير مشكلات كثيرة. لقد كانت نظرة جيمس إلى علم النفس نظرة صادقة فأعلن أن الحياة النفسية أصيلة وأنها حياة متصلة متدفقة وأن رائدها المنفعة, لكنه جعل منها ومن منافعها مركز الكون وصورته، فاعتبر الكون مرنًا مثلها قابلًا للتشكيل بحيث يصير تعريف الحقيقة أنها مطابقة الأشياء لمنفعتنا لا مطابقة الفكر للأشياء، وبحيث ينعكس موقف سبنسر وجميع أصحاب التطور السابقين فيقال: إن التطور نتيجة فعل الكائن الحي "وبالأخص الإنسان" في الطبيعة, لا نتيجة فعل الطبيعة في الكائن الحي، وإن الحقائق مخترعات شكلت الأشياء وتأصلت في العقول لا أنها آثار الأشياء في العقول. وقد وجد جيمس مثالًا على رأيه وتأييدًا له في بناء النظرية العلمية للعهد الأخير إذ إنها تبدو في شكلها الرياضي وكأنها محض اختراع حتى ليفسر العلماء المسألة الواحدة بنظريات مختلفة ولا يجدون في ذلك حرجًا لاتفاقهم على أن كل الغرض من النظرية استخدام الطبيعة ليس غير. ولكن هذا لا يصدق إلا على نظريات علم
اسم الکتاب : تاريخ الفلسفة الحديثة المؤلف : يوسف مكرم الجزء : 1 صفحة : 422