responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاريخ الفلسفة الحديثة المؤلف : يوسف مكرم    الجزء : 1  صفحة : 407
روحية، وينكر على المريض أن يكون متشائمًا، وقد قال: "إن حياتي عبء ثقيل، ولقد كنت تخلصت منها منذ زمن طويل لو لم أر أني وأنا في حالة الألم والحرمان هذه كنت أقوم بأكثر الملاحظات والتجارب فائدة في الميدان الروحي والخلقي. إن الشره إلى العلم يرتفع بي إلى أعمال أنتصر فيها على كل ألم وكل يأس" وهذه ناحية تثير العطف عليه وتقوم عذرًا له. ومنذ ذلك الحين انحصر تفكيره في نقطتين: إحداهما نقد القيم الأخلاقية والدينية, والأخرى قلب هذه القيم أو عكسها بوضع "إرادة القوة" في المحل الأول.
ج- ومن بال قصد إلى رتشارد فاجنر، فإذا بهما متفقان على الإعجاب بشوبنهور. وتوثقت الصلة بينهما، ثم فصمها نيتشي وقد حاول أن يثني صديقه العظيم عن تشاؤمه فلم يفلح. وهو مدين له بفكرة من أهم أفكاره، وقد وجدها في كتيب مخطوط بعنوان "الدولة والدين" يقول فيه فاجنر: إنه كان اشتراكيا، لا بمعنى أنه كان يريد المساواة بين جميع الناس، بل كان يريد أن يراهم محررين من الأعمال الدنيئة يرتفعون إلى فهم الفن؛ ولكنه أدرك أنه أخطأ وأن العامة لا ترتفع إلى المستوى الذي كان ينشده، وأن المسألة التي يتعين حلها هي هذه: كيف نقود العامة إلى أن يخدموا ثقافة مقضيا عليهم أن يجهلوها، وإلى أن يخدموها بإخلاص ونشاط حتى التضحية بالحياة؟ إن جميع الموجودات تخدم غايات الطبيعة, فكيف تحصل منهم الطبيعة على الاستمساك بالحياة وخدمة غاياتها؟ إنها تحصل منهم على هذا الغرض بخداعهم. وذلك أنها تضع فيهم الأمل في سعادة دائمة ترجأ دائمًا، وتضع فيهم غرائز تضطر أدنى البهائم إلى أعمال شاقة وتضحيات طويلة. كذلك يجب تعهد المجتمع بخدع تستبقي كيانه, أهم هذه الخدع الوطنية، فإنها تكفل بقاء الدولة والملك؛ ولكنها لا تكفي لضمان ثقافة عالية؛ إنها تفسر الإنسانية وتعمل على نمو القسوة والبغض وضيق العقل. فثمة خدعة أخرى تصبح ضرورية هي الخدعة الدينية, فإن العقائد ترمز إلى الوحدة الوثيقة والمحبة العامة, ويجب على الملك أن يؤيدها في شعبه. فإذا تشبع الساذج بهاتين الخدعتين استطاع أن يحيا حياة سعيدة شريفة. بيد أن حياة الأمير ومشيريه أعظم شأنا وأكثر خطرا. إنهم ينشرون الخدع، فهم إذن يعلمون قيمتها، ويعلمون أن الحياة في الحقيقة تراجيدية، وأن الرجل العظيم يجد نفسه كل يوم تقريبًا في الحالة التي ييأس

اسم الکتاب : تاريخ الفلسفة الحديثة المؤلف : يوسف مكرم    الجزء : 1  صفحة : 407
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست