اسم الکتاب : القياس المؤلف : ابن رشد الحفيد الجزء : 1 صفحة : 99
قال: وأما المثال فهو أن يبين وجود الطرف الأكبر في الأصغر بأن يبين وجود الأكبر في الأوسط بوجود الأكبر في الشبيه بالأصغر إذا كان وجود الأوسط في الأصغر والأكبر في الشبيه بالطرف الأصغر أبين من الذي نريد أن نبينه- وهو وجود الأكبر في الأصغر. ومثال ذلك أن يكون الطرف الأكبر اَ والأصغر جَ والأوسط بَ والشبيه بجَ هَ، ويكون وجود بَ في جَ واَ في هَ أعرف من وجود اَ في جَ. ومثال ذلك من المواد أن نأخذ بدل اَ جور وبدل جَ قتل عثمان، وبدل بَ قتل الخلفاء وبدل هَ قتل عمر رضي الله عنه. فإذا أردنا أن نبين أن قتل عثمان جور فإنما نقدم لذلك أن قتل الخلفاء جور، ونبين ذلك بأن قتل عمر رضي الله عنه جور، فإذا تبين لنا قلنا قتل عثمان هو قتل الخلفاء وقتل الخلفاء جور فقتل عثمان جور. هو بين أن نكون عثمان خليفة وأن قتل عمر جور أعرف عندنا من أن قتل عثمان رضي الله عنه جور. وهو بين أنا إنما بينا أن الطرف الأكبر موجود في الأوسط- وهو قولنا قتل الخلفاء جور- بوجوده في الشبيه بالطرف الأصغر- الذي هو قتل عمر الشبيه بعثمان في الخلافة والصحبة. وكذلك يعرض إن كان يبين وجود الطرف الأكبر في الواسطة بوجوده في أشياء كثيرة ما لم تستوفي فيه جميع الجزئيات فيكون الاستقراء المتقدم.
وتبين من هذا أن المثال هو البيان الذي يكون المصير فيه من جزئي أعرف إلى جزئي أخفى لأن المتشابهين ليس أحدهما تحت الآخر، وأن الاستقراء هو مصير من جزئيات أعرف إلى كلى أخفى، والقياس من كل أعرف إلى جزئي أخفى- وهي النتيجة الداخلة تحت المقدمة الكبرى. والفرق بين المثال والاستقراء المذكور هاهنا أن الاستقراء من جميع الجزئيات الداخلة تحت الحد الأوسط يبين أن الحد الأكبر موجود للأوسط، وأما المثال فليس من جميع الجزئيات يبين وجود الطرف الأكبر في الواسطة.
وأما البيان الذي يكون بالاستقراء فإنما ينتفع به في أن يأخذ جزء قياس إذا جعلت المقدمة التي تبين بالاستقراء مقدمة صغرى في القياس من الشكل الأول وكانت الكبرى بينة بنفسها، وذلك أيضا إذا كان وجود الحد الأوسط أقل خفاء من النتيجة أو مساويا لها في الخفاء. أما كونه مقدمة صغرى فلأنه إذا استعمل في بيان المقدمة الكبرى واستوفيت جميع الجزئيات على الشرط المذكور فيه فقد تبينت النتيجة بنفس الاستقراء، فلم يكن ما نبين به ينتفع به في أن يحصل جزء قياس بل يكون ذلك بينا بالاستقراء وحده من غير أن يضاف إلى الاستقراء قياس. وأما كونها أقل خفاء من النتيجة أو مساوية لها في الخلفاء، فلأنه إذا كانت هي أخفى من النتيجة لم يمكن أن تبين إلا بحد أوسط باستقراء، وذلك أن خفاء ما يبين بالاستقراء واجب أن يكون دون خفاء ما يبين بالقياس وإلا كانت قوة القياس والاستقراء واحدة.
وإنما يعرض أن يكون خفاء المقدمة التي تبين بالاستقراء مساوية للتي تبين بالقياس- أعني النتيجة- إذا كانت النتيجة إنما يجهل منها المعنى الذي يجهل من المقدمة الصغرى- وهو كونها كلية. مثال ذلك أن يكون المطلوب هل كل فضيلة متعلمة فيروم بيان ذلك بمقدمتين، إحداهما أن كل فضيلة علم والثانية أن كل علم متعلم، فتكون الكبرى معلومة بنفسها- وهي قولنا أن كل علم متعلم- وتكون الصغرى مجهولة الكلية مثل جهل النتيجة لأن من المعلوم لنا أن بعض الفضائل- وهي الحكمة- علم ومتعلمة، وإنما المطلوب هل كل فضيلة علم ومتعلمة. فإذا صح لنا بالاستقراء أن جميع الفضائل علم فيكون قد صح لنا المقدمة الصغرى- وهي أن كل فضيلة علم- بعد أن كان جهلنا بهما على وتيرة- أعني بالمقدمة الصغرى وبالنتيجة- وذلك من جهة أن الوجود فيهما كان معلوما وإنما كان المجهول الكلية.
اسم الکتاب : القياس المؤلف : ابن رشد الحفيد الجزء : 1 صفحة : 99