اسم الکتاب : القياس المؤلف : ابن رشد الحفيد الجزء : 1 صفحة : 94
وبهذه الجهة يجب أن يحل شك مانن الذي قيل فيه إن المتعلم إن كان يجهل المطلوب فمن أين يعلم أنه قد علم إذا علم أو كيف يعلم المجهول من المعلوم، وإن كان يعلم قبل أن يتعلم فالتعلم فضل. وذلك أن الجواب في هذا أن يقال أن المطلوب هو مجهول من جهة أنه خاص ومعلوم من جهة ما هو عام، لا ما جاوب به أفلاطون من أن يسلم أن التعلم تذكر، لأنه إذا كان عندنا أن كل مثلث زواياه مساوية لقائمتين وكنا نجهل هذا المثلث المخفي المشار إليه أنه مثلث فعندما ظهر لنا بالحس أنه مثلث علمنا أن زواياه مساوية لقائمتين. فليس يمكنهم أن يقولوا إن ما حصل من العلم عند ظهور المثلث بأن زواياه مساوية لقائمتين هو تذكر، فإنهم يسلمون أن ما حصل عن الحس ليس تذكرا.
وكما أن الجهل الذي يكون لنا بالجزئي ليس يضاد العلم الذي لنا بالكلي كذلك العلم بالمقدمتين ليس يضاد الجهل بالنتيجة، لأن المقدمتين معلومة بالفعل والنتيجة بالقوة. وذلك أن المعرفة تقال على أربعة ضروب، إما معرفة عامة وإما خاصة وإما بالقوة وإما بالفعل. وعلى هذه الجهات الأربع ليس يمتنع أن يوجد لنا في الشيء الواحد جهل وعلم معا، فيعرض لنا فيه ظن وعلم- أي من جهتين مختلفتين. وذلك شيء موجود بالحس. فإنا نجد كثيرا من الناس تكون عنده مقدمتان معلومتان فينخدع في النتيجة- كما يكون عنده العلم الكلي فينخدع في الجزئي. ومثال ذلك أنه قد يكون عند إنسان ما أن كل بغلة عاقر وأن هذه المشار إليها بغلة ويظن بها أنها حاملة لمكان انتفاخ يراه في جوفها، فيكون عنده ظن وعلم بالشيء الواحد بعينه، أما علم فمن قبل مقدمتيه الصادقتين اللتين عنده، وأما ظن فمن قبل قياس فاسد حدث له في ذلك الشيء. وذلك أن من شأن الذي يحدث لنا في أمثال هذه المواضع في مقابلة العلم أن ينشأ عن قياس فاسد. فمتى علم المقدمتين وجهل النتيجة، فقد علم شيئا واحدا وجهله، لكن علمه من جهة القوة وجهله من جهة الفعل. ومتى علم المقدمة الكبرى من القياس فقط فقد جهل الصغرى من جهة وعلمها من جهة، لكن علمها من جهة الأمر الكلي وجهلها من جهة الخاص الجزئي. ومتى علم الصغرى فقد علم الكبرى من جهة وجهلها من جهة، لكن علمها من جهة الجزئي وجهلها من جهة العلم الكلي.
فقد تبين من هذا على أي جهة يمكن أن يحصل لنا في النتائج علم وظن معا- أعني لإنسان واحد- وعلى أي جهة لا يمكن ذلك، وأن الجهة التي لا يمكن في إنسان واحد هي ممكنة في إنسانين.
الفصل السابع في أشياء من الاستدلالات قوتها قوة المقاييس
قال: ويعرض للذين يتوهمون أن الأضداد شيء واحد- مثل الذين يتوهمون أن الخير والشر شيء واحد- أنه يلزمهم عن هذا التوهم أن يكون الشر يحمل على الخير والخير يحمل على الشر حتى يعرض عن ذلك أن يحمل الشيء على نفسه. وذلك أنهم سيقرون أن الخير هو شر وأن الشر هو خير، فيأتلف هذا القول على مثال ائتلاف الشكل الأول، ويلزمهم أن يكون الخير خيرا كمثل ما يأتلف القول لو كانت هذه المقدمات صادقة. وكذلك يلزم من يقول إن جميع الموجودات واحدة- أعني أن يكون الشيء يحمل على نفسه- لأنه إن كانت جَ وبَ شيئا واحدا وبَ واَ شيئا واحدا، لزمهم أن يعترفوا أن جَ هو بَ وأن بَ هو اَ وأن جَ هو اَ مع أنها شيء واحد. فالنتيجة تكون لازمة ضرورة في أمثال هذه الأقاويل، لكن نتيجة كاذبة عن مقدمات كاذبة. وذلك أنه ليس يمكن أن يكون خير شرا إلا بالعرض، فأما بالذات فلا. وتوهم الأضداد أنها واحدة بهذا السبب يكون، وضروب كثيرة من التوهمات كما عرض ذلك للقدماء. وأنواع هذه التبكيتات التي تستعمل مع أمثال أصحاب هذه الآراء إذا استقصى أمرها وجدت معادة لأنواع المتقابلات ولأنواع الأشياء التي يقال عليها اسم الواحد والكثرة.
اسم الکتاب : القياس المؤلف : ابن رشد الحفيد الجزء : 1 صفحة : 94