responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : القانون في الطب المؤلف : ابن سينا    الجزء : 1  صفحة : 116
فِي برده كالحار فِي حره تَقْرِيبًا فَإنَّك إِذا تَأَمَّلت هَذَا وجدت الْأَمر فيهمَا مُخْتَلفا على أَن هَهُنَا سبباَ آخر أعظم من هَذَا وَهُوَ أَن الرطوبات لَا تثبت فِي الْجور الْبَارِد والحار جَمِيعًا إلاّ بدوام لُحُوق المدد. والجفاف لَيْسَ يحْتَاج إِلَى مدد الْبَتَّةَ وَإِنَّمَا صَارَت الرُّطُوبَة فِي الأجساد المكشوفة للهواء أَو فِي نفس الْهَوَاء لَا تثبت إِلَّا بمدد لِأَن الْهَوَاء إِنَّمَا يُقَال لَهُ إِنَّه شَدِيد الْبرد بِالْقِيَاسِ إِلَى أبداننا وَلَيْسَ يبلغ برده فِي الْبِلَاد المعمورة قبلنَا إِلَى أَن لَا يحلل الْبَتَّةَ بل هُوَ فِي الْأَحْوَال كلهَا مُحَلل لما فِيهِ من قُوَّة الشَّمْس وَالْكَوَاكِب فَمَتَى انْقَطع المدد وَاسْتمرّ التَّحَلُّل أسْرع الْجَفَاف. وَفِي الرّبيع يكون مَا يتَحَلَّل أَكثر مِمَّا يتبخر وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن التبخر يَفْعَله أَمْرَانِ: حرارة ورطوبة لَطِيفَة قَليلَة فِي ظَاهر الجو وحر كامن فِي الأَرْض قوي يتَأَذَّى مِنْهُ شَيْء لطيف إِلَى مَا يقرب من ظَاهر الأَرْض. وَفِي الشتَاء يكون بَاطِن الأَرْض حازَا شَدِيد الْحَرَارَة كَمَا قد تبين فِي الْعُلُوم الطبيعية الْأَصْلِيَّة وَتَكون حرارة الجو قَليلَة فيجتمع إِذن السببان للترطيب وَهُوَ التصعيد ثمَّ التَّغْلِيظ وَلَا سِيمَا وَالْبرد أَيْضا يُوجب فِي جَوْهَر الْهَوَاء نَفسه تكاثفاً واستحال إِلَى البخارية. وَأما فِي الرّبيع فان الْهَوَاء يكون تَحْلِيله أقوى من تبخيره والحرارة الْبَاطِنَة الكامنة تنقص جدا وَيظْهر مِنْهَا مَا يمِيل إِلَى بارز الأَرْض دَفعه شَيْء هُوَ أقوى من المبخر أَو شَيْء هُوَ لطيف التبخير لشدَّة استيلائه على الْمَادَّة فيلطفها: ويصادف تبخيره اللَّطِيف زِيَادَة حر الجو فيتمّ بِهِ التَّحْلِيل. هَذَا بِحَسب الْأَكْثَر وبحسب انْفِرَاد هَذِه الْأَسْبَاب دون أَسبَاب أُخْرَى توجب أَشْيَاء غير مَا ذَكرْنَاهُ. ثمَّ لَا تكون هُنَاكَ مَادَّة كَثِيرَة تلْحق مَا يصعد ويلطف فَلهَذَا يجب أَن يكون طباع الرّبيع إِلَى الِاعْتِدَال فِي الرُّطُوبَة واليبس كَمَا هُوَ معتدل فِي الْحَرَارَة والبرودة على إِنَّا لَا نمْنَع أَن تكون أَوَائِل الرّبيع إِلَى الرُّطُوبَة مَا هِيَ إِلَّا أَن بعد ذَلِك عَن الإعتدال لَيْسَ كبعد مزاج الخريف من اليبوسة عَن الِاعْتِدَال ثمَّ إِن الخريف من لم يحكم عَلَيْهِ بِشدَّة الإعتدال فِي الْحر وَالْبرد لم يبعد عَن الصَّوَاب فَإِن ظهائره صيفية لِأَن الْهَوَاء الخريفي شَدِيد اليبس مستعد جدا لقبُول التسخين والاستحالة إِلَى مشاكلة النارية بتهيئة الصَّيف إِيَّاه لذَلِك ولياليه وغدواته بَارِدَة لبعد الشَّمْس فِي الخريف عَن سمت الرؤوس ولشدة قبُول اللَّطِيف المتخلخل لتأثير مَا يبرد. وَأما الرّبيع فَهُوَ أقرب إِلَى الِاعْتِدَال فِي الكيفيتين لِأَن جوه لَا يقبل من السَّبَب المشاكل للسبب فِي الخريف مَا يقبله جو الخريف من التسخين والتبريد فَلَا يبعد ليله كثيرا عَن نَهَاره. فَإِن قَالَ قَائِل: مَا بَال الخريف يكون ليله أبرد من ليل الرّبيع وَكَانَ يجب أَن يكون هواؤه أسخن لِأَنَّهُ ألطف فنجيبه ونقول: إِن الْهَوَاء الشَّديد التخلخل يقبل الحرّ وَالْبرد أسْرع وَكَذَلِكَ المَاء الشَّديد التخلخل وَلِهَذَا إِذا سخنت المَاء وعرضته للإجماد كَانَ أسْرع جموداً من الْبَارِد لنفوذ التبريد فِيهِ لتخلخله على أَن الْأَبدَان لَا تحس من برد الرّبيع مَا تحس من برد الخريف لِأَن الْأَبدَان فِي

اسم الکتاب : القانون في الطب المؤلف : ابن سينا    الجزء : 1  صفحة : 116
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست