responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 5
المقربة لمن استعملها في طاعته، إلى فوز الأبد برضاه والخلود في جنته، نتيجة يبين بها من البهائم التي لا ثواب ولا عقاب عليها، والتي سخرها لنا في جملة ما سخر، وذللتها لحكمنا مع ما ذلل، إذ خلق لنا ما في السموات والأرض، الا ما حمى عنا، واستثنى بالتحريم علينا، فله الحمد والشكر منا، والسمع والطاعة علينا، ومن تتميم ذلك لنا بمنه وطوله، قال الله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} (4 إبراهيم: 14) فهذه المرتبة الثالثة من مراتب البيان.
والوجه الرابع: إشارات تقع باتفاق، عمدتها تخطيط ما استقر في النفس من البيان المذكور، بخطوط متباينة، ذات لون يخالف لون ما يخط فيه، متفق عليها بالصوت المتقدم ذكره، فسمى كتابا، تمثله اليد التي هي آلة لذلك. فتبلغ به نفس المخطط ما قد استبانته إلى النفس التي تريد ان تشاركها في استبانة ما قد استبانته، فتوصلها إليها العين، التي هي آلة لذلك. وهي في الأقطار المتباعدة، وعلى المسافات المتباينة التي يتفرق الهواء المسمى صوتا قبل بلوغها، ولا يمكن توصيله إلى من فيها فيعلمها بذلك دون من يجاورها في المحل ممن لا يريد اعلامه. ولولا هذا الوجه، ما بلغت إلينا حكم الاموات على آباد الدهور، ولا علمنا علم الذاهبين على سوالف الاعصار، ولا انتهت الينا اخبار الامم الماضية والقرون الخالية. وتندرج في هذا القسم اشياء تبين وليست بالفاشية، فمنها: اشارات باليد فقط، ومنها اشارات بالعين أو بعض الاعضاء، وقد يمكن ان يؤدي البيان بمذاقات، فمن ذلك ما يدرك الاعمى بها البيان إلى الحاضر وحده على حسب ما يتفق عليه مع الشير بذلك إليه، فهذه المرتبة الرابعة من مراتب البيان [3ظ] إذ لا سبيل إلى الكتاب الا بعد الاتفاق على تمييز تلك الخطوط بالاصوات الموقفة عليها، ندرة عجزت العقول عن اكثر المعرفة بها، وتوحد الواحد الأول الخالق الحق بتدبير ذلك واختراعه دون علة اوجبت عليه ذلك، الا انه يفعل ما يشاء لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون. وصارت غاية الفضائل فيها ما ذكرنا واستعماله في وجوهه والإقرار للخالق الأول الواحد الحق بالقوة والقدرة والعلم

فهذا الإيمان بفائدة علوم الفلسفة والنطق هو الذي جعل ابن حزم بعد درسه لها، يحاول أن يوصل ما فهمه منها مبسطا إلى الآخرين. وقد كسب له هذا الاتجاه عداوة الفريق الذي كان يكره الفلسفة والمنطق، وهو يومئذ الفريق الغالب في الأندلس. واتخذ أعداؤه هذه الناحية فيه محطا لهجماتهم، ومن أمثلة ذلك أن أحد الناقمين كتب إليه كتابا غفلا من الإمضاء، اتهمه فيه بأن الفساد دخل عليه من تعويله على كتب الأوائل والدهرية وأصحاب المنطق وكتاب اقليدس والمجسطي وغيرهم من الملحدين. فكتب ابن حزم يقول في الجواب: أخبرنا عن هذه الكتب من المنطق واقليدس والمجسطي: أطالعها أيها أنكرت ذلك على نفسك؟ وأخبرنا عن الإلحاد الذي وجدت فيها ان كنت وقفت على مواضعه منها، وإن كنت لم تطالعها فكيف تنكر مالا تعرف [1] وأصبح ابن حزم يعتقد أن فائدة المنطق أمر لا يرتاب فيه منصف لانها فائدة غير واقفة عند حدود الاطلاع والرياضة الذهنية بل تتدخل في سائر العلوم الديانة والمقالات والأهواء وعلم النحو واللغة والخبر والطب والهندسة وما كان بهذا الشكل فانه حقيق ان يطلب وان تكتب فيه الكتب، وتقرب فيه الحقائق الصعبة.
وغدا هذا الإيمان بقيمة المنطق وفائدته؟ ابتداء - حافزا قويا للتأليف فيه. الا ان ابن حزم واجه في دراسته لهذا العلم صعوبتين فلم لا يحاول تذليلهما للقارئ الذي يود الانتفاع بدراسة المنطق: الأولى تعقيد الترجمة وإيراد هذا العلم بألفاظ غير عامية، ويعني ابن حزم بالعامية الألفاظ الفاشية المألوفة التي يفهمها الناس لكثرة تداولها، فليكتب، اذن كتابا قريبا إلى الإفهام " فان الحظ لمن آثر العلم وعرف فضله ان يسهله جهده ويقربه بقدر طاقته ويخففه ما أمكن " [2] . وهو يحسن الظن بالمترجمين ويرى أن توعيرهم للألفاظ هو شح بالعلم وضن به يوم كان الناس جادين في طلبه يبذلون فيه الغالي والنفيس. الصعوبة الثانية: ان المناطقة قد درجوا على استعمال الرموز والحروف في ضرب الأمثلة. ومثل هذا شيء يعسر تناوله على عامة الناس فليحول ابن حزم الأمثلة من الرموز إلى أخرى منتزعة من المألوف في الأحوال اليومية والشريعية. وهو يحس بخطر ما هو مقدم عليه. ويعتقد انه أول من يتجشم هذه المحاولة.

[1] المصدر نفسه: 10
[2] التقريب: 8
اسم الکتاب : التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 5
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست