اسم الکتاب : موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية المؤلف : المسيري، عبد الوهاب الجزء : 1 صفحة : 122
وهذا الادعاء يتنافى مع العقل ومع التجربة الإنسانية ومع إحساسنا ووعينا بتركيبيتنا وتنوعنا الحضاري. وهذا ما يعيه أصحاب النماذج غير المادية الذين يدركون الثنائية الأساسية التي يتحرك داخلها الإنسان، فهم ينطلقون من الإيمان بأن عقل الإنسان محدود ولكنه خلاَّق يتمتع بقدر من الاستقلال عن الطبيعة ولا يخضع لحتمياتها في بعض جوانب وجوده. ولهذا السبب لا يؤمن أصحاب مثل هذه النماذج بطبيعة بشرية جامدة أو بإنسانية واحدة وإنما يؤمنون بإنسانية مشتركة. وهذه الإنسانية ليست مثالاً أفلاطونياً جامداً يتجاوز الواقع تماماً بحيث يصبح الواقع مجرد ظلال له وإنما هي إمكانية (بشرية) . فالإنسان يتمتع بطاقة إبداعية كامنة (ولذا لا يمكن رصدها أو ردها إلى قوانين مادية عامة) . هذه الإمكانية تختلف عن الأداء الإنساني، فهي لا تتحقق في فرد بعينه أو شعب بعينه أو جنس بعينه وإنما تتحقق بدرجات متفاوتة حسب اختلاف الزمان والمكان والظروف ومن خلال جهد إنساني (وقد لا تتحقق على الإطلاق، فالإنسان هو الكائن الوحيد القادر على الانحراف عن طبيعته بسبب حريته) ، ولذا فإن ما يتحقق لن يكون أشكالاً حضارية عامة وإنما أشكال حضارية متنوعة بتنوع الظروف والجهد الإنساني. فتَحقُّق جزء يعني عدم تحقُّق الأجزاء الأخرى التي تحققت من خلال شعوب أخرى وتحت ظروف وملابسات مختلفة ومن خلال درجات من الجهد الإنساني الذي يزيد وينقص من شعب لآخر ومن جماعة لأخرى) . ومما يزيد التنوع أن الإنسان قادر على إعادة صياغة ذاته وبيئته حسب وعيه الحر وحسب ما يتوصل إليه من معرفة من خلال تجاربه. هذه الأشكال الحضارية تفصل الإنسان عن الطبيعة/المادة وتؤكد إنسانيتنا المشتركة (فهي تعبير عن الإمكانية الإنسانية) دون أن تلغى الخصوصيات الحضارية المختلفة. لكن التفرُّد لا يعني عدم وجود أنماط تجعل المعرفة ممكنة، والحرية لا تعني أن كل الأمور متساوية ونسبية. فالإنسانية المشتركة، تلك
اسم الکتاب : موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية المؤلف : المسيري، عبد الوهاب الجزء : 1 صفحة : 122