اسم الکتاب : موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية المؤلف : المسيري، عبد الوهاب الجزء : 1 صفحة : 113
في هذا الإطار تصبح المعرفة مسألة تستند إلى الحواس وحسب، ويصبح العالم الطبيعي المصدر الوحيد أو الأساسي للمنظومات المعرفية والأخلاقية، وتُردُّ الأخلاق إلى الاعتبارات المادية (الاقتصادية والاجتماعية والسياسية) ، وتنفصل الحقائق المادية تماماً عن القيمة، ويظهر العلم المنفصل عن الأخلاق والغائيات الإنسانية والدينية والعاطفية والأخلاقية، وتصبح الحقائق المادية (الصلبة أو السائلة) المتغيرة هي وحدها المرجعية المعرفية والأخلاقية المقبولة، وتصبح سائر الأمور (المعرفية والأخلاقية) نسبية صالحة للتوظيف والاستخدام. بل إن هذه الرؤية الواحدية المادية، في مراحلها المتقدمة، بإنكارها أي ثبات، ينتهي بها الأمر إلى إنكار وجود الماهيات والجوهر، بل الإنسانية المشتركة نفسها، باعتبارها جميعاً أشكالاً من الثبات والميتافيزيقا. عالم العلمانية الشاملة والترشيد في الإطار المادي وهو أيضاً عالم الجماعة الوظيفية والواحدية الوظيفية والإنسان الوظيفي.
ورغم أن «الواحدية الكونية المادية» هي الأكثر شيوعاً، إلا أننا يمكننا أيضاً الحديث عن «الواحدية المثالية» أو «الواحدية الروحية» ، أي الإيمان بأن ثمة مبدأً واحداً في الكون تُرَدُّ إليه كل الظواهر الإنسانية والطبيعية. وهذا المبدأ قد يكون مثالياً خالصاً: الإله ـ نفس العالم (باللاتينية: أنيموس موندي animus mundi) ـ الروح (بالألمانية: جايست Geist) ـ الروح الدافعة (بالفرنسية: إيلان فيتال élan vital) ؛ أو قد يكون شيئاً روحياً اسماً مادياً فعلاً: روح الشعب ـ روح التاريخ ـ جدلية التاريخ ـ البقاء للأصلح ـ حب السيطرة والبقاء ـ اللبيدو. وسواء أكان المبدأ الواحد مادياً خالصاً أو كان مثالياً أو مثالياً اسماً مادياً فعلاً، ففي إطار الواحدية يُرَدّ كل شيء إلى هذا المبدأ وتذوب الأجزاء في الكل وتنتفي هويتها ويختفي التعدد ويختفي الإنسان ككيان مستقل.
اسم الکتاب : موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية المؤلف : المسيري، عبد الوهاب الجزء : 1 صفحة : 113