اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 95
والقصد لأنه يقرر أن الحياة قد وجدت على الأرض بالصدفة في ظروف معينة "لم تتكرر مرة أخرى"! وأن تفسير الحياة وتطورها بإرجاعها للإرادة الإلهية يكون بمثابة إدخال عنصر خارق للطبيعة في وضع ميكانيكي بحت!
this would be to introduce a supernatural element in a completely mechanical position.
وقد جاوبها دارون من ناحيته باتهامها بالجهل والتخريف ومحاربة العلم بحقائقه ونظرياته.
وأما العلماء فقد انقسموا إلى ثلاث فرق: فرقة تؤيد دارون وتتحمس له، وفرقة تعارضه وتندد به، وفرقة تحاول التوفيق بين ما تقوله النظرية وما يقوله الدين!
وأما الجماهير فقد وقفت في مبدأ الأمر موقفا حاسما مع الكنيسة ضد دارون! فقد عز عليها أن يسلبها دارون إنسانيتها ويردها إلى أصل حيواني، وينفي التكريم الرباني الذي كرم به الله الإنسان حين خلقه على صورته، وزينه بالعقل وميزه بالقدرة على النطق.. ولكنها رويدا رويدا بدأت تغير موقفها، وتعتنق أفكار دارون، وتتغاضى عن مسبة الحيوانية التي ألحقها بها في نظريته، بل بدأت تهاجم الكنيسة لموقفها من دارون وترى في نظريته معولا هداما يهدم ما بقي لها عليهم من سلطان؟
هل تم هذا التحول في موقف الجماهير تلقائيا أم كان وراءه ذلك العنصر الشرير؟
وهل كان يمكن -لولا ذلك التدخل الشرير- أن يتغاضى الناس عن إنسانيتهم المسلوبة وعن كرامتهم الملغاة، ويعتنقوا نظرية تقرر صراحة أن الإنسان إن هو إلا امتداد لسلسلة التطور الحيواني، لا قصد من خلقه ولا غاية، وما يزيد عن القردة إلا ما أضافه التطور خلال مئات الألوف من السنين من تغير عشوائي غير مقصود؟!
حقيقة أن "العلماء" هم الذين بدءوا باعتناق نظرية دارون، ثم تبعتهم الجماهير. ولكن هؤلاء وهؤلاء ما كانوا ليفعلوا ذلك لولا عنصران قائمان في الموقف، عنصران غير "علميين": أحدهما موقف الكنيسة الطغياني من الأمور كلها ومن العلم والعلماء خاصة، والآخر هو الدعاية الضخمة التي قام
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 95