responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 579
كثيرة، فقد قال" أستاذ الجيل" لطفي السيد: إن الإنجليز هم أولياء أمورنا في الوقت الحاضر. وليس السبيل أن نحاربهم، بل السبيل أن نتعلم منهم، ثم نتفاهم معهم!! [1].
وأي شيء تعلم المصريون من الإنجليز؟ هل تعلموا منهم جلدهم على العمل وانضباطهم فيه؟ أم تعلموا منهم السكر والعربدة وفساد الأخلاق؟
إنما يتعلم الأولى "المجاهد" لأن المجاهد يعلم من عدوه فضائله إن كانت له فضائل، أما "السياسي" المتسيب فالرذائل أقرب إلى قلبه؛ لأنها سهلة لا تكلف جهدا ولا تحتاج إلى مجاهدة!
وعملية التغريب -أو الغزو الفكري- كانت أهم ما يحرص عليه الصليبي المستعمر.. فحين يفقد المسلم شخصيته الإسلامية فإنه يفقد في الحقيقة نقطة ارتكازه.. ومن ثم فإنه يتهاوى ويضيع.
حين يظل المسلم مسلما فإنه يمكن أن "يستعير" من العالم حوله ما يحس أنه في حاجة إليه، دون أن يفقد شخصيته، ودون أن يفقد استعلاءه الذي يستمده من الإيمان.
{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [2].
وذلك ما فعله المسلمون الأوائل حين بدءوا ينشئون حضارتهم، فقد كانوا في حاجة إلى أشياء لا سابقة لهم بها وهي عند عدوهم -البيزنطي أو الفارسي- فلم يجدوا في أنفسهم حرجا على الإطلاق أن يأخذوا ما يحتاجون إليه من هنا ومن هناك، ولكن في استعلاء المؤمن الواثق المطمئن. فأخذوا ما رأوا أنه نافع لهم، وأعرضوا عن كثير مما وجدوه عند أعدائهم؛ لأنهم نظروا إليه بعين المسلم فأنكروه، وهذا يفسر لنا لماذا أخذوا العلوم الإغريقية ولم يأخذوا الأساطير!
أما حين "يستغرب" المسلم فإنه يفقد -أول ما يفقد- إيمانه بأنه هو الأعلى بعقيدته الصحيحة ونظامه الرباني وأخلاقياته المتطهرة وقياسه كل شيء بالمقياس الرباني.. وينظر إلى عدوه نظرة الإكبار والإجلال. فينقل عنه كل شيء بلا تحرز، بل ينقل عنه ما يضر وما يفسد في حين يعجز عن نقل ما ينفع؛ لأنه

[1] لا يمكن لمسلم، فضلا عن مسلم مجاهد أن يقول عن عدو دينه أنه ولي أمره مهما تغلب الأخير عليه في معركة السلاح وقهره. أما الزعيم السياسي فما أيسر عليه أن يقول ذلك!
[2] سورة آل عمران: 139.
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 579
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست