اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 567
للأصلح"[1] ولما كانت كل قومية تزعم لنفسها أنها هي الأجدر بالبقاء، وتريد أن تثبت ذلك بالفعل، فلنا أن نتصور كيف يعنف الصراع بين القوميات المختلفة ويصل إلى حد الوحشية! وتموت في دوامة الصراع الوحشي كل المعاني "الإنسانية" ويسمى هذا "تقدما" حسب التفسير الدارويني للحياة، والتفسير المادي للتاريخ!
ومع الثورة الصناعية الرأسمالية المتلبسة في ذات الوقت بالقومية, اتسعت رقعة "الاستعمار".
لقد كان الاستعمار الأوروبي في منشئه دفعة صليبية بحتة.
فحين سقطت الأندلس في يد المسيحيين أصدر البابا قرارا بتقسيم أرض "الكفار" -أي: المسلمين- إلى دولتين هما أسبانيا والبرتغال[2]، وقامت محاكم التفتيش بمجهود وحشي ضخم للقضاء على بقايا الإسلام في الأندلس، فاستخدمت أبشع وسائل التعذيب التي عرفها التاريخ لمطاردة الإسلام في كل شبر من أرض ما صار يسمى أسبانيا والبرتغال، حتى صارت الهينمة في جوف الليل مبررا لدخول رجال التفتيش أي بيت تسمع فيه؛ لأنها مظنة قراءة القرآن سرا في هدأة الليل، وصار وجود حمام في أي بيت يدخله رجال التفتيش مبررا لصب أفظع ألوان التعذيب على أهله؛ لأن الحمامات داخل البيوت كانت في ذلك الوقت خصيصة من خصائص المسلمين! ومع ذلك كله فقد استغرق الأمر مائتي عام حتى أفلح التعذيب الوحشي في تنصير الأندلس كلها ومحو كل أثر للإسلام فيها.
ولما تم "رسميا" إزالة الحكم الإسلامي -أي: منذ 1492م- شجع البابا النصارى على متابعة المسلمين خارج الأندلس، في حرب صليبية جديدة، بغية القضاء على الإسلام في كل أرض، ولكن وجود الدولة العثمانية القوية في الشرق, التي أزالت الدولة البيزنطية باستيلائها على القسطنطينية عام 1453م، لم يكن يتيح للحرب الصليبية الجديدة أن تتجه إلى الشرق نحو بيت [1] تفهم هذه العبارة خطأ أن "الأصلح" هو الأصلح خلقيا أو معنويا أو على أساس أية قيم رفيعة. والتعبير في لغته الأصلية لا يحمل شيئا من هذه المعاني فكلمة Fittest معناها "الأنسب" أي: الذي يحمل المواصفات التي تجعله يتفوق في الصراع الدائر بين الكائنات وبين البيئة؛ لأن هذه المواصفات هي الأنسب للظروف البيئية المحيطة، فحين يحدث الجفاف مثلا يكون الكائن "الأنسب" هو النبات أو الحيوان الذي يحتمل العطش أكثر من غيره.. ولكنها حملت معنى "الأصلح" من إحياءات الداروينية العامة. [2] كلمة البرتغال "برتقال" هي كلمة عربية فقد كان المسلمون يسمون هذه المنطقة أرض البرتقال!
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 567