responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 557
من هذا الدين -وإن يكن القطاع الأعظم- تغايره بقية القطاعات في أصول الاعتقاد[1].
فإذا اجتمع إلى هذين السببين أن اللاتينية -لغة الكتاب المقدس[2]- لم تكن قط لغة الكلام في الإمبراطورية الرومانية، وإنما لغة المثقفين ورجال الدين فقط، إلى جانب كونها اللغة "الرسمية" للدولة، وإنما الشعوب داخل الإمبراطورية تتكلم لغات أخرى يختلف بعضها عن بعض اختلافا رئيسيا.
إذا اجتمعت هذه الأسباب كلها وضح لنا أن التجمع الذي تم في ظل الإمبراطورية الرومانية المسيحية لم يكن من شأنه أن يرتقي إلى تكوين "أمة" واحدة على النسق الذي تم به الأمر في ظل الإسلام، الذي لم تنفصل فيه الشريعة عن العقيدة، والذي لم تحدث فيه خلافات عقيدية تمزق وحدته، والذي كانت لغته -لفترة طويلة من الوقت- لغة واحدة هي لغة القرآن.
ومع ذلك كله فقد كان لسلطان العقيدة في نفوس المسيحيين الأوروبيين وسلطان الكنيسة البابوية من جهة أخرى، تأثير ملموس لا شك فيه، أوجد لونا من التجمع والوحدة رغم كل أسباب الفرقة والخلاف.
ولكن حماقات الكنيسة التي أشرنا إليها في التمهيد الأول ما لبثت أن عملت على تقويض ذلك التجمع من أكثر من باب ...
لقد كان طغيانها في كل جانب مثيرا لردود فعل مختلفة، تلتقي كلها عند الرغبة في تحطيم نفوذ الكنيسة والتفلت منه، فضلا عما حدث فيما بعد من النفور من الدين ذاته والانسلاخ منه.
وإذا كان الدين ونفوذ الكنيسة هما الرباط الذي أوجد ذلك القدر من التجمع في أوروبا، فلنا أن نتوقع أن يكون أثر ردود الفعل المشار إليها هو انفراط عقد هذا التجمع وفصم روابطه.. وذلك الذي كان!
كان تمرد الملوك على طغيان الكنيسة السياسي أول بادرة من بوادر التمزق في الوحدة الأوروبية. ولكن هذا التمرد وحده كان يمكن أن يظل محدود الأثر لو لم

[1] الاختلاف الذي يمكن أن يقارن بذلك في العالم الإسلامي هو الخلاف بين السنة والشيعة، ولكن ينبغي أن نتذكر أن الشيعة والسنة لم يختلفوا في قضية الألوهية -وهي محور الخلاف الرئيسي بين المذاهب المسيحية المختلفة- ولا في نبوة الرسول -صلى الله عليه وسلم، إنما كان في مبدئه خلافا سياسيا حول خلافة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ثم تطور إلى أمور أخرى.
[2] كانت لغة الكتاب المقدس هي الإغريقية واللاتينية ولم تكن أيتهما لغة شعبية.
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 557
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست