اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 427
بالصورة التي ظهر عليها أيام خروشوف" حتى إن روسيا بدأت تستورد القمح من أمريكا بكميات متزايدة، وكان علاج خروشوف للأمر هو تمليك الفلاحين جزءا من المحصول لأنفسهم. وتمليكهم الدار التي يسكنونها وما تحويه من الأثاث والأدوات وما يمكن أن يشتروه لأنفسهم من هذه الأشياء.
وهو تراجع صريح عن مبادئ الشيوعية، دلالته واضحة, وهي أن الملكية الجماعية لم تستطع -بكل وسائل القهر- أن تحل محل الملكية الفردية.. وأن العلاج الوحيد الذي يضطرون إليه جولة بعد جولة هو الإذعان لهذا الدافع الفطري الذي نفوا -في النظرية- وجوده، وجادلوا بكل أنواع الجدل ليثبتوا أنه غير أصيل في النفس البشرية، وأنه "مرض" يمكن "الشفاء" منه!
والتجربة التي تمت -في العالم الشيوعي ذاته وعلى يد الدولة الشيوعية ذاتها- تغنينا عن الالتفات إلى كل الجدل الفارغ الذي يجادل به الشيوعيون في أمر الملكية الفردية والحافز الفردي.
أما إنشاء مجتمع غير طبقي، وإلغاء جميع الطبقات ما عدا طبقة البروليتاريا وإقامة دكتاتورية البروليتاريا، فقد اختلف التطبيق فيها اختلافا واسعا عن النظرية!
ولسنا نتحدث هنا عن "محاسن" إنشاء مجتمع غير طبقي، ولا كون هذا الأمر واجبا أو غير واجب، ممكنا أو غير ممكن[1] إنما نتحدث عن الواقع التطبيقي لنرى مقدار قربه أو بعده عن الشيء الذي قالوا إنه واجب أن يكون.
لقد زالت طبقة الإقطاعيين نعم، وحال تطبيق الشيوعية في الدولتين الشيوعيتين الكبيرتين دون ظهور الطبقة الرأسمالية، وما كان منها موجودا في الدول الأخرى التي اعتنقت الشيوعية فقد أزيل إما بنزع الملكية الفردية وإما بالإبادة الثورية.
ولكن ما الذي حدث بعد ذلك؟!
الذي حدث بالفعل أن "طبقة" جديدة بكل تعريف الطبقة ومواصفاتها قد برزت في المجتمع الشيوعي تحت اسم جديد بالمرة هو "الحزب"! [1] نقول نحن إنه ممكن في حالة فقط، حين ينزع حق التشريع من البشر ويتحاكمون كلهم إلى شريعة الله، فعندئذ لا يكون لأحد من البشر سلطة تشريعية يتمكن بها من رعاية مصالحه ومصالح طبقته على حساب بقية الطبقات، ولا يهم في هذه الحالة تفاوت الناس في ثرواتهم؛ لأن هذا التفاوت يظل أمرا فرديا لا طبقيا، ولا يتجاوز حظ كل إنسان من "المتاع" في الحياة الدنيا ... ولنا عود إلى الموضوع عند الحديث عن نظرة الإسلام.
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 427