اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 400
المشاعر -بغير رهبانية ولا حرمان- يحدث الرضا النفسي الذي هو عنصر البركة الأصيل.
ومصدرها كذلك الأخوة والتكافل في المجتمع المسلم الذي يجعل الناس شركاء في الخير لا يختص به فريق دون فريق..
أما إذا اختار الناس طريق الشر، فأشركوا بالله في العبادة أو كفروا به جهرة ونبذوا عبادته وأعرضوا عن شريعته، فأول ما يقعون فيه هو عبودية بعضهم لبعض، وانقسام المجتمع إلى سادة وعبيد، سادة يملكون ويحكمون ويشرعون، وعبيد ينفذون وهم أذلاء مهينون.
ثم إن حياتهم تتسم بالاضطراب والقلق، وفقدان النظافة، والعبودية للشهوات.
والاضطراب ينشأ عن الرؤية البشرية القاصرة، العاجزة عن الإحاطة، المحجوبة عن الغيب، التي تتصرف في كل لحظة بمقتضى تلك اللحظة، دون أن تدرك الآثار الكاملة التي تنشأ عن تصرفها حتى تقع تلك الآثار بالفعل في نفس الجيل أو في جيل لاحق، فيكتشف الناس الخلل الذي أصابهم، فيروحون يعالجونه بعلاج جديد يثير مشاكل جديدة!
والقلق ينشا من الدخول في حومة الكدح -حومة الصراع- دون سند من قوة أعلى يطمئن الإنسان إلى نصرتها أو تعويضها له عما يفقده في أثناء الصراع.
وفقدان النظافة ينشأ من عدم الالتزام بمنهج الله، عدم الالتزام بالحلال والحرام.. الذي ينتج عنه اندفاع الناس مع شهواتهم وعدم الارتفاع بها، فتهبط هي بهم إلى المستنقع المنتن الذي تعيش فيه كل الجاهليات ... وتلك هي العبودية للشهوات، التي لم تنج منها جاهلية من جاهليات التاريخ, حتى التي جنحت إلى الروحانية والرهبانية ... ففي الجاهلية الهندية الجانحة نحو الروحانية كانت ظاهرة "بغايا المعبد! " ظاهرة معروفة, وفي الرهبانية حدث ما أسلفنا ذكره من الموبقات!
أما التقدم المادي والعلمي فخط قائم بذاته خلال التاريخ البشري غير متعلق بالهدى ولا بالضلال:
{كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [1]. [1] سورة الإسراء: 20.
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 400