responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مدرسة الدعوة المؤلف : محمد السيد الوكيل    الجزء : 1  صفحة : 223
وافقده لأمل فِي أَن يستجيب بِلَال لما يعرضه عَلَيْهِ من العودة إِلَى الْكفْر، فاستسلم، وَقد صادفت كلمة الصّديق هوى فِي نَفسه لم يكن ليفصح عَنهُ مَخَافَة أَن يرْمى بالضعف - وَهُوَ السَّيِّد المطاع - أَمَام صَبر هَذَا العَبْد الضَّعِيف، وَلِهَذَا لم يكد الصّديق يلقِي عَلَيْهِ كَلمته حَتَّى قَالَ: أَنْت الَّذِي أفسدته، فأنقذه مِمَّا ترى[1].
وإننا لنفهم من كلمة أُميَّة بن خلف أَمريْن هامين جديرين بِالتَّأَمُّلِ:
أما الأول: فَهُوَ أَن الصّديق- رَضِي الله عَنهُ - كَانَ لَا يكف عَن تَبْلِيغ الدعْوَة ونشرها فِي كل الأوساط، السَّادة وَالْعَبِيد، والأغنياء والفقراء؛ وَلِهَذَا يرميه ابْن خلف بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أفسد بِلَالًا.
وَأما الثَّانِي: فَهُوَ إفلاس ابْن خلف أَمَام صَبر بِلَال، وعجزه عَن الِاسْتِمْرَار فِي التعذيب، ورغبته فِي التَّخَلُّص من هَذَا المأزق الَّذِي انحدر إِلَيْهِ، وَلم يعد قَادِرًا على التَّخَلُّص مِنْهُ، نلمس ذَلِك فِي قَوْله لأبي بكر: فأنقذه مِمَّا ترى.
إِن ابْن خلف لَو بَقِي لَدَيْهِ شَيْء من الأمل فِي عودة بِلَال إِلَى الْكفْر لما ضحى بِهِ، ولظل يعذبه حَتَّى يُحَقّق ذَلِك الأمل، لِأَنَّهُ يعلم تَمام الْعلم أَن انْتِقَال بِلَال إِلَى بَيت أبي بكر يضمن لَهُ الْحَيَاة الهادئة فِي ظلّ العقيدة الَّتِي يحاربها، ويعذبه من أجل تَركهَا والعدول عَنْهَا.
وَهَكَذَا يكون بِلَال - رَضِي الله عَنهُ - قد أذلّ كبرياء ابْن خلف بصبره، وأرغمه على الاستسلام لما يُرِيد بثباته.
ولندع هَذَا المشهد المثير لنقف أَمَام مشْهد أَكثر إثارة وأعجب مِنْهُ دهشة، إِنَّه مشْهد امْرَأَة ضَعِيفَة تقهر كبرياء رجل قَاس عنيد، أما الْمَرْأَة فَهِيَ جَارِيَة بني مُؤَمل، وَأما الرجل فَهُوَ عمر بن الْخطاب.
لقد ظلّ عمر يعذب تِلْكَ الْجَارِيَة المسكينة ليصرفها عَن دينهَا ويردها إِلَى الشّرك والوثنية، وَلَكِن الْجَارِيَة أَبَت العودة إِلَى الْكفْر وأصرت على الْإِيمَان بِاللَّه وَحده، وَيسْتَمر عمر فِي تَعْذِيب الْمَرْأَة وتزداد ثباتا وتمسكا.

[1] ابْن هِشَام (1/178) .
اسم الکتاب : مدرسة الدعوة المؤلف : محمد السيد الوكيل    الجزء : 1  صفحة : 223
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست