اسم الکتاب : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين المؤلف : الندوي، أبو الحسن الجزء : 1 صفحة : 190
النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحديد) . فالحديد فيه منافع للناس ومن أكبر منافعه أنه يستخدم لنصر الله ورسله، ولذلك قدم عليه ذكر إرسال الرسل، وإنزال الكتب.
فالمسلم ينتفع بكل ما خلق الله وأودع في الكون من قوة في سبيل الجهاد في سبيل الله، وفي نشر دينه، وإظهاره على الدين كله وإعلاء كلمته، وفيما أباح الله له ورغبة فيه من تجارة مشروعة وكسب حلال، وسفر بر، ومنافع مباحة.
إنما طائركم معكم:
إن المصنوعات الجمادية لا ذنب عليها، فإنها خاضعة لإرادة الإنسان وعقليته وأخلاقه، فهي في ذات نفسها ليست خيراً ولا شراً، ولكن الإنسان هو الذي يجعلها باستعماله لها خيراً أو شراً، وكثيراً ما تكون خيراً في نفسها، فيحولها الإنسان شراً بسوء استعماله وخبث سريرته، وفساد تربيته، فليس الشأن في هذه الآلات والمخترعات، إنما الشأن فيمن يستغلها وفي الغرض الذي يستعملها له. وحقيق أن يقال - لمن أصبح يتطير في أوربا من هذه الآلات، ومن الطيارات التي تقذف القنابل، وتدمر المنازل، وتنسف القرى والمدن، والغواصات التي تغرق بواخر الركاب المسالمين والتجار الآمنين، واللاسلكية التي تذيع الكذب والزور، وتنشر الخلاعة والمجون ويشكو منها، ويوجه إليها الملام -: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} فإن العلوم الطبيعية تسخر للإنسان القوة المادية، وليس من شأنها أن تعلمه أيضاً كيف يستعملها، وفيم يضعها، كالكبريت يعطيك ناراً؛ ولك أن تحرق بها بيتاً على سكانه، أو تطبخ طعاماً أو تستدفئ بالنار، والذي يعلم كيف يستعمل الإنسان القوة وفيما يضعها هو الدين، فالدين يرشد الإنسان كيف ينتفع بقوته انتفاعاً حقيقياً، وكيف يشكر نعمة الله، ويحظر على الإنسان أن يكون بقوته التي خوله الله إياها معيناً على الظلم والجريمة والإثم والعدوان، كما
قال موسى عليه السلام: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ} (القصص) : وقال سليمان: {هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} .
اسم الکتاب : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين المؤلف : الندوي، أبو الحسن الجزء : 1 صفحة : 190