اسم الکتاب : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين المؤلف : الندوي، أبو الحسن الجزء : 1 صفحة : 172
وكان تأثير هذه النظرية بعيداً عميقاً في الأفكار والحضارة والأدب والسياسة تراه وتلمسه في أخلاق الناس، وفي نزعات الرجوع إلى الفطرة وإلى العهد الذي كان الإنسان يعيش فيه على الفطرة عارياً حراً، وفي تعيين المثل الكامل للإنسان وفي جميع الأعمال والأخلاق التي لا تصدر إلا على تسليم أن الإنسان إنما هو حيوان راق، وفي فساد الحياة المنزلية الذي يعبر عنه المستر شبرد أحد علماء الإنجليز بقوله: ((لقد ظهر في إنجلترا جيل من الناس يجهل الحياة المنزلية جهلاً باتاً، ولا يعرف غير حياة القطعان والبهائم)) .
من جنايات المادية:
وكان من نتائج هذه المادية الجارفة، والتربية اللادينية التي ليس فيها نصيب للأخلاق ومخافة الله عز وجل، والإيمان بالآخرة أن أصحاب المراكز الكبيرة، ورجال السياسة
والمسئولية يرتكبون في بعض الأحيان جنايات لا يتنزل إليها أكبر الآثمين. وذلك لمصلحة سياسية وهمية لبلادهم وأمتهم أو لجاه شخصي أو ربح مالي، فمن أغرب ما روي في تاريخ البشر من القسوة والظلم، أن الإنجليز قد أوقعوا في بنغال (الهند) مجاعة مزورة غير طبيعية، لأنهم منعوا استعمال القوارب التي يحصد الناس عليها مزارع الأرز - وهو غذاء بنغال - واحتكروا الحبوب في مقدار عظيم للجند، ولم يمكنوا الناس منها حتى فسدت وضاعت، ومات مئات الألوف من الناس جوعاً، والحبوب وفيرة في البلاد، والمواصلات ميسورة، والقطر غادية رائحة، والهند بلاد مخصبة تستطيع أن تغذي بلاداً أخرى. وذلك كله لما توقعوه من إقبال الناس على التجنيد , وليرهنوا على فشل الحكم الذاتي في إدارة البلاد.
وقد تغافل لورد ماونت بيتن حاكم الهند العام سنة 1947 عما يدبر من الفتك بالمسلمين في دلهي وبنجاب الشرقية , فقد اتصلت به أنباء المؤامرات والخطط التي كانت تبيت ضد العنصر الإسلامي في هذه المنطقة , وأنذره الخبراء بوقوع اضطراب طائفي هائل , فنام على كل ذلك انتقاماً من أن المسلمين لم ينتخبوه حاكماً عاماً لباكستان كما فعل أهل الهند، ولتكون هذه الاضطرابات الطائفية , والحروب الأهلية حجة على عدم أهلية أهل البلاد للاستقلال , وكونهم عيالاً على الإنجليز في الأمن والنظام، فكان نتيجة ذلك , تلك المجزرة البشرية الهائلة التي عقمت القرون أن تلد مثلها.
اسم الکتاب : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين المؤلف : الندوي، أبو الحسن الجزء : 1 صفحة : 172