ثم تتفاعل الحالة الثانية مع أضدادها أو نقائضها، فينشأ من ردود الأفعال تغير لها، ولكن لا إلى ذات الطرف الذي سبق أن تركته في التغير الأول، بل إلى تغير صاعد يجمع بين الطريحة والنقيضة جمعاً توفيقياً، وبهذا الجمع تسقط صفات وعناصر دنيا خسيسة، وبذلك يحصل الارتقاء، وهذه هي الحالة الثالثة في جدلية "هيجل".
والحالة الثالثة هذه تسمى: "الجميعة" أو "نفي النفي" أو "التركيب" أو "مؤتلف الوضع ونفيه" أو نحو ذلك من العبارات، ويُحذفُ التناقض في هذه الحالة إذ يتم امتصاصه في شمولٍ أعلى.
ثم تغدو الحالة الثالثة "الجميعة" من جديد "طريحة" تتغير إلى "نقيضة" جديدة، ثم إلى "جَمِعيةٍ" جديدةٍ صاعدة.
وهكذا دواليك تذهب الدورات صاعدة في تصور "هيجل".
هذا هو "الديالكتيك" عند هيجل، مع ما يكتنف فلسفته من غموض، وضغط في آرائه التي يعرضها.
ويعتبر "هيجل" من فئة المثاليين، الذين يؤمنون بالغيبي المجرد من الحسيات، لا من فئة الماديين، فهو يؤمن بإلهٍ على طريقته، والله في تصوره هو الوجود غير المتناهي، وهو المطلق، وهو الحقيقة الكاملة.
وهذا الرأي الذي قدّمه "هيجل" وحاول أن يفسر به حركة التغير في كل ما هو مشهود وغير مشهود، رأيٌ مرفوض عقلياً وواقعاً.
فرأيه من الناحية العقلية المنطقية مبني على اجتماع الأضداد أو المتناقضات، صواء في حالة اصطراعها، أو في حالة ائتلافها في الجميعة، ومنطق العقل يحكم جازماً باستحالة اجتماع الأضداد أو المتناقضات في شيء واحد وزمن واحد. إذن: فرأيه قائم على ادعاء وجود ما هو مستحيل الوجود، فهو ساقط منطقياً.
ورأيه يشتمل على أن التغيرات تذهب صاعدةً مرتقية باستمرار إلى ما