نهاية الأمر اعترف كلٌّ منا بجهله حيال المصدر الأول للأشياء، ولكنك اعترفت بذلك بعدي بخطوة واحدة، وأدخلت عناصر غيبية لا لزوم لها لحل المشكلة.
والخلاصة، إذا قلنا: إن المادة الأولى قديمة وغير محدثة، أو أن الله قديم وغير محدث، نكون قد اعترفنا بأننا لا نعرف، ولن نعرف كيف يكون الجواب على مشكلة المصدر الأول للأشياء، فالأفضل إذن أن نعترف بجهلنا صراحة ومباشرة، عوضاً عن الاعتراف به بطرق ملتوية، وبكلمات وعبارات رنانة. ليس من العيب أن نعترف بجهلنا، لأن الاعتراف الصريح بأننا لا نعرف من أهم مقومات التفكير العلمي". انتهى.
كشف الزيف
إن التساؤل عن علة وجود المصدر الأول، حجة يوسوس بها الشيطان للإنسان، منذ بدأ الفكر الإلحادي يدبّ إلى أذهان بعض الناس.
وهذه الحجة الشيطانية تزعم أن الإيمان بأن الله هو المصدر الأول للأشياء، والوقوف عنده، يساوي نظرياً وقوف الملحدين عند المادة الأولى للكون، التي يطلقون عليها اسم السديم، وتزعم أن كلا الفريقين لا يجد جواباً على التساؤل عن علة وجود المصدر الأول، إلا أن يقول: لا أعرف إلا أن وجود هذا الأصل غير معلول، وتزعم أن الملحد اعترف بهذا قبل المؤمن بخطوة واحدة.
وبعد هذه المزاعم يخادع مطلقوها بأن إعلان الجهل والاعتراف به من متطلبات الأمانة الفكرية، حين لا توجد أدلة وشواهد وبراهين كافيات.
ولدى البحث المنطقي الهادئ يتبين لكل ذي فكر صحيح، أن هذه الحجة ليست إلا مغالطة من المغالطات الفكرية، وهذه المغالطة قائمة على التسوية بين أمرين متباينين تبايناً كلياً، ولا يصح التسوية بينهما في الحكم.