فلمّا اختلف الناس عن هذا الدين الحق بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، ليردُّوهم عن ضلالاتهم وانحرافاتهم إليه.
ومن الملاحظ في تاريخ الأديان ذات الأصول الصحيحة، أن تعاليم الدين تكون في قمة التوحيد والتزام الحق والعدل، والدعوة إلى الكمالات والفضائل، إبَّانَ عُهود الرُّسُل، ثمّ يبدأ التحريف والتغيير بعد أزمانهم، إلى الوثنيات والانحرافات المختلفات، كلما بعد عهد الناس عن زمن بعثة الرسول فيهم.
* * *
الكاشف الثالث: لا نجد في فلسفة "أوجست كونت" إلا ادعاءات خرافية، لا دليل عليها من العقل، ولا من الملاحظة، ولا من وثائق التاريخ البشري، ولا من تجارب العلوم المادية التي بَهَرَتْهُ وتشبَّثَ بما تُقَدِّمه.
فواقعيته التي ادعاها واقعيةٌ خيالية وهمية، لقد قدم مقدماته عن واقعية العلوم التجريبية، وزعم أن سيَبْني أفكاره معتمداً عليها، ثمّ قدّم أفكاراً وآراءً من عنده لا تستند إلى واقعية العلوم التجريبية مطلقاً، بل جاء بتصورات وهمية، لموجود خيالي، سمّاه "الموجود الأعظم" وأضاف إلى الأرض التي نعيش عليها نفساً وحياةً، وجَعَلَها "فَتَشاً" كأفتاش البدائيين الخرافيين، ووثناً كأوثانهم، وجعل السماء أو الهواء "الوسط الأعظم" الذي يسبح فيه مقدَّساهُ الأعظمان "الإنسانية" و"الأرض" ولم يستطع أن يفلت من فكرة الثالوث النصرانية.
فآراؤه كما هو ظاهر تخيُّلاتٌ وتوهُّماتٌ، لا دليل عليها من علم تجريبي، ولا من واقعية مادية، ولا من دليل عقلي، ومع كل هذا ادعى الواقعية لآرائه.
أليس هذا تناقضاً مع الذات؟
إن فلسفته فلسفَةٌ متناقضةٌ متساقطة، ظاهرة الفساد لكل ذي نظر.
* * *