العقل محجوب في حدوده التي لا يستطيع أن يتعداها، لكنه لا يمكن أن يكون وراء العقل أشياء يحكم العقل حكماً قاطعاً باستحالتها.
فالفرق كبير بين ما لا يدركه العقل، فهو لا يتناوله بنفي ولا إثبات، لأنه ليس من الأمور التي يتناولها بأحكامه، وبين ما يحكم العقل حكماً قاطعاً بنفيه أو إثباته.
إن من الأشياء التي لا يمكن أن يكون وضعها فيما وراء العقل على خلاف وضعها في أحكام العقل القاطعة، لأنها من المستحيلات العقلية: أن يكون لله تعالى شريك، أو أن يكون في مقدور الخالق عزّ وجلّ أن يخلق مثل ذاته سبحانه، أو أن يجعل الحادث قديماً، أو ما أشبه ذلك.
رابعاً: ما له دلائل وقرائن من العقل تؤيده فإن موقف العقل منه موقف الشاهد المؤيد والمسلم.
خامساً: التسليم التام في كل ما يقول فيه العقل: لا أدري. ويكون ذلك إذا لم يكن لدى العقل من الأدلة الظاهرة في مقاييسه ما يستطيع إثباته به، وليس لديه منها ما يستطيع نفيه به.
وهذا التسليم تصديق لشهادة النص الديني الثابت من جهة الرواية، وفق أصول تحقيق المستندات الإخبارية، وتصديق شهادة النص الديني الثابت بيقين له مستند عقلي قاطع، وذلك لأن العقل يقول:
ما جربته من أنباء الإسلام الصحيحة النسبة إليه بشكل يقيني، لم أجد فيها إلا الحق، وكل ما وجدته فيها مما أستطيع الوصول إلى حقيقته الواقعة بنفسي كان حقاً وصدقاً.
ولأن العقل يقول أيضاً:
إن من يملك تغيير سنن الكون الثابتة، بما يجريه من معجزات على أيدي أنبيائه ورسله، ليعلمني بأن الكون كله خاضع لقدرته وإرادته، وليعلمني بأن أخباره التي يبلغها أنبياؤه ورسله أخبار صادقة، لا يمكن أن