بل المراد ما علمت من أن هذا القرآن أنزل على هذا الشرط وهذه التوسعة، بحيث لا تتجاوز وجوه الاختلاف سبعة أوجه، مهما كثر ذلك التعدد والتنوع فى أداء اللفظ الواحد، ومهما تعددت القراءات، وطرقها فى الكلمة الواحدة. فكلمة {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [1] التى ورد أنها تقرأ بطرق تبلغ السبعة أو العشرة، وكلمة {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [2] التى ورد أنها تقرأ باثنتين وعشرين قراءة، وكلمة {أُفٍّ} من قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [3] والتى أوصل الرمانى لغاتها إلى سبع وثلاثين لغة. وكل أولئك وأشباه أولئك، لا يخرج التغاير فيه على كثرته عن وجوه سبعة [4] .
... وعلى هذا فالمراد بالأحرف فى الأحاديث السابقة وجوه فى الألفاظ وحدها لا محالة، بدليل أن الخلاف الذى صورته لنا الروايات المذكورة كان دائراً حول قراءة الألفاظ لا تفسير المعانى، مثل قول عمر: "إذ هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حكم الرسول أن يقرأ كل منهما، وقوله صلى الله عليه وسلم: "هكذا أنزلت" وقوله: "أى ذلك قرأتم فقد أصبتم" ونحو ذلك، ولا ريب أن القراءة أداء الألفاظ، لا شرح المعانى [5] . [1] الآية 4 من سورة الفاتحة. [2] جزء من الآية 60 من سورة المائدة. [3] جزء من الآية 23 من سورة الإسراء. [4] مناهل العرفان 1/156. [5] المصدر السابق 1/154 وانظر المراد بالوجوه السبعة التى لا تخرج عنها القراءات فى المصدر السابق 1/156، وفتح البارى 8/640.