.. "ومن علامات الاهتمام بالإسناد، وأماراته تلك التصانيف الضخمة التى ألفت فى الرجال، فنشأ بذلك علم مستقل من علوم الحديث، وهو علم الرجال، وهذا علم واسع تتقطع فيه الأنفاس، فمنه كتب معرفة الصحابة، وكتب الطبقات، وكتب الجرح والتعديل، وكتب الأسماء والكنى والألقاب، وكتب المؤتلف والمختلف، وكتب المتفق والمفترق والمتشابه، وكتب الوفيات، وهى فى مجموعها تدل دلالة عظيمة على الجهد المبذول فى نقد الأخبار، وليس الأمر كما يتوهم الكثيرون ممن لا علم لهم بهذا الأمر" [1] أ. هـ.
... ومن علامات الاهتمام بالإسناد "علم الجرح والتعديل" وهو كسائر علوم الحديث مما تفردت به الأمة الإسلامية عن سائر الأمم، وتميزت بتأسيسه، وإنشائه، والتفنن فيه، وقد أداها إلى إبداعه: الحفاظ على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم من التقول والدخيل، والمكافحة للدجالين والمشعوذين والخراصين، فكان هو من أكبر النتائج النافعة التى تولدت عن تلك الحملة الضارة على السنة المطهرة.
قَصدتَ مَسَاتِى فاجتلبت مَسَرَّتِى ... *** ... وقد يُحِسنُ الإِنسانُ من حيث لا يَدِرى
فنشأ هذا العلم من عهد النبوة المباركة برعماً لطيفاً، ثم نما وازداد، وقوى واشتد فى القرن الأول، والثانى، وامتد واتسع وبدأ يتكامل فى القرن الثالث، والرابع، وهكذا حتى اكتمل فى القرن التاسع من الهجرة الشريفة، فكثرت فيه الكتب، وتنوعت فيه المؤلفات، ثم درست فيه فى عصرنا بعض المسائل والجزئيات والشخصيات دراسة خاصة، فقارب النُّضجَ والاحتراق، وإن كان هذا العلم ليس له غاية ولا نهاية. [1] ضوابط الرواية عند المحدثين للأستاذ الصديق بشير ص 71،72، وانظر: من نفس المصدر ص212 وما بعدها.