والراجح من هذا الخلاف [1] أن سنتهم كسنة الرسول يعمل بها، ويرجع إليها، وانتصر لهذا الرأى غير واحد من أئمة الأصول، منهم الشاطبى - رحمه الله - فبعد أن ذكر الآيات والأحاديث الدالة على عدالتهم قال: "فيصح أن يطلق على الصحابة أنهم خير أمة بإطلاق، وأنهم وسط أى عدول بإطلاق، وإذا كان كذلك فقولهم معتبر، وعملهم مقتدى به.
... ثم استدل الشاطبى لما رجح بأدلة منها:
1- ما جاء فى الحديث من الأمر باتباعهم، وأن سنتهم فى طلب الاتباع كسنة النبى صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: "فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ" (2)
2- أن جمهور العلماء قدموا الصحابة عند ترجيح الأقاويل، فقد جعل طائفة قول أبى بكر وعمر حجة ودليلاً، وبعضهم عد قول الخلفاء الأربعة دليلاً، وبعضهم يعد قول الصحابى على الإطلاق حجة ودليلاً، ولكل قول من هذه الأقوال متعلق من السنة وهذه الآراء - وإن ترجح عند العلماء خلافها - ففيها تقوية تضاف إلى أمر كلى هو المعتمد فى المسألة، وذلك أن السلف والخلف من التابعين ومن بعدهم، يهابون مخالفة الصحابة، ويتكثرون بموافقتهم، وأكثر ما تجد هذا المعنى فى علوم الخلاف الدائرة بين الأئمة المعتبرين، فتجدهم إذا عينوا مذاهبهم قوَّوها بذكر من ذهب إليها من الصحابة، وما ذاك إلا لما اعتقدوا فى أنفسهم وفى مخالفيهم من تعظيمهم، وقوة مآخذهم دون غيرهم، وكبر شأنهم فى الشريعة، وأنهم مما يجب متابعتهم وتقليدهم فضلاً عن النظر معهم فيما نظروا فيه.
... ويؤيد هذا ما جاء عن السلف الصالح، من تزكيتهم والحث على متابعتهم. [1] انظر: الأدلة المختلف فيها وأثرها فى الفقه الإسلامى للدكتور عبد الحميد أبو المكارم ص 303، والفقيه والمتفقه للخطيب البغدادى، باب ما جاء فى قول الواحد من الصحابة 1/437.
(2) سبق تخريجه ص 38.