رابعاً: أما استدلالهم بحديث الحوض، وما جاء فيه من وصف الصحابة بالردة. فهذا من زندقة الرافضة، ومن تلبيسهم، وتضليلهم.
فإن المراد بالأصحاب هنا ليس المعنى الاصطلاحى عند علماء المسلمين، بل المراد بهم مطلق المؤمنين بالنبى صلى الله عليه وسلم المتبعين لشريعته، وهذا كما يقال لمقلدى أبى حنيفة أصحاب أبى حنيفة، ولمقلدى الشافعى أصحاب الشافعى وهكذا، وإن لم يكن هناك رؤية واجتماع، وكذا يقول الرجل للماضين الموافقين له فى المذهب: "أصحابنا" مع أن بينه وبينهم عدة من السنين، ومعرفته صلى الله عليه وسلم لهم مع عدم رؤيتهم فى الدنيا بسبب أمارات تلوح عليهم يعرفها النبى صلى الله عليه وسلم.
فعن حذيفة قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم:"إن حوضى لأبعد من أَيَلَةَ مِن عَدَنٍ [1] ،والذى نفسى بيده! إنى لأزودُ عنه الرجال كما يَزُودُ الرجلُ الإبلَ الغريبةَ عن حوضه"، قالوا: يا رسول الله! أو تعرفنا؟ قال: "نعم تَرِدُون علىَّ غُرًّا مُحَجَّلينَ من آثار الوضوء. ليست لأَحدٍ غَيْرِكُم" [2] .
...
ولو افترضنا أن المراد بالأصحاب فى الحديث، الأصحاب فى زمنه صلى الله عليه وسلم.
فالمراد بهم: الذين صاحبوه صحبة الزمان والمكان مع نفاقهم، كما سبق من قوله تعالى: {ما ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [3] .
وعلى هذا فالمراد بالمرتدين من أصحابه فى الحديث هم الذين ارتدوا من الأعراب على عهد الصديق رضي الله عنه. [1] أيلة: مدينة على ساحل بحر القلزم (البحر الأحمر حالياً) مما يلى الشام. معجم البلدان 1/347، وعدن: مدينة مشهورة على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن. معجم البلدان 4/100، وبحر الهند يسمى الآن المحيط الهندى. [2] أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل فى الوضوء 2/137 رقم 248. وانظر: مختصر التحفة الإثنى عشرية ص 272. [3] الآية 2 من سورة النجم.